كتبت آمال عوّاد رضوان ـ
أمسية ثقافيّة أقامها نادي حيفا الثقافيّ برعاية المجلس الملي الأرثوذكسي الوطني/ حيفا، وذلك احتفاءً بالكاتب جريس عواد، وإشهارًا لكتبه "الصدى" و"مورد الأمثال" و"تعابير ومصطلحات" و"إبداعات وشخصيات"، بتاريخ 8-9-2016 في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسية في حيفا، ووسط حضور من الأقرباء والأصدقاء والأدباء، وقد تولت عرافة الأمسية الكاتبة فوز فرنسيس، وتحدّث عن الكتب المذكورة كلٌ من: رشدي الماضي ود. نادر سروجي، وفي نهاية اللقاء شكر الكاتب جريس عواد الحضور والمنظمين والمتحدثين، ومن ثمّ تمّ التقاط الصور التذكارية!
مداخلة فوز فرنسيس: الحضور الكرام مع حفظ الألقاب؛ استللتُ بعض خيوط النور من الشمس الغائصة هنا عند شاطئ حيفا، لأنيرَ بها هذا المساء الذي يجمعني بكم. مساء ينضح شوقا للّقاء بمعشوقة تجمع شملنا؛ لغتنا العربية. مساؤكم قناديل متعطشة لزيتِ حبّ المعرفة والفكر. يا طيب هذه الأمسيات التي تجمعنا في كنف نادي حيفا الثقافي وحضن المجلس الملي الدافئ مساء كلِّ خميس، في لقاءات أدبية ثقافية مميّزة، فالشكر الجزيل لمن يدأب ويعمل على التنسيق والترتيب من أجل إنجاح هذه الأمسيات. تحيّةً مودّة واحترام لكلِّ من باتت هذه اللقاءات جزءًا من نمط حياته تُغنيه وتُغذّيه، وتحية شكر وتقدير للضيوف ولكلِّ من لبّى الدعوة هذا المساء تحديدًا، آملة أن يتكللَ لقاؤنا هذا بالنجاح، فتجنون ولو نزرًا يسيرًا من المعرفة والإفادة.
قد تقضّ وتؤرّق هوايات الطّفولة مضجع الكبر، وقد تكبِّلُ الخيالَ وتغزو الفكرَ أحلامُ الصّغر، وبعض النفوس لا يستكينُ صخب هديرها، إلّا بارتطام أمواج عصفِها بآفاقٍ تفوقُ بُعدَ النظر، وتتعدّى ذبذباتها حدود البصيرة والبصر، لترسوَ هناكَ عند شاطئ الإبداع، مُودّعة نبضَ الإلهام ونزفَ الحبر والقلم.
إنّه ابن الناصرة المهندس المعماري جريس عوّاد، الذي طوّع قلمه وفقَ إرادته، فراحَ يرسم به خرائطه حينا، ويسجّل قولا وحكمة أو قصة قرأها حينا آخر، وهو الذي يرى رسوماته الهيكيليّة تتجسّد على شكل بنايات، أبى أن يحتفظ بما اطّلع عليه من كنوز الأدب والمعرفة والثقافة لذاته، فارتأى أن يشاركنا ويطلعنا على ما اكتسب، مُجسِّدًا ذلك في إصدارات متنوعة؛ لا غاية يرجوها سوى المساهمة كابن غيور لهذا المجتمع بالنهوض بمشهدنا الثقافي قدر استطاعته، من خلال حثّ القارئ العادي صغيرًا كان أم كبيرًا على مطالعة القصص التي جمعها في إصداره الأول "الصدى"، وهي قصص قصيرة بسيطة لغويا، لكنها شائقة وهادفة تحمل في ثناياها قيمة تربوية واجتماعية، وهنا أشير الى النجاح الكبير الذي أحرزه هذا الكتاب على الصعيدين المحلي والعالمي، فترجم للعبرية والانجليزية والبلغارية والمكدونية.
لم يكتفِ جريس عواد بأن "يعطينا من طرف اللسانِ حلاوة"، بل أحبّ وشاء لنا أن نتذوّق ونجنيَ الشهد معه، فمضى يتابع خطاه يحمَل مِشعل النور ليبدّدَ ظلمة الجهل، آملا وطامحا أن يزيد الوعي والمعرفة والثقافة بين أبناء مجتمعه، ومشاركا في إثراء مكتباتنا ومخزونها الثقافي، فوضع بين متناول أيدينا "مورد الأمثال"، وأتبعه بكتاب "تعابير ومصطلحات" ليتوّجَ مشروعه الحاليّ بكتاب "إبداعات وشخصيات".
وهنا اسمحوا لي أن أنقل إليكم تجربتي الخاصّة مع كتابين من هذه الإصدارات، ربما تلقى استحسانكم فتكون مثالا لكم أو محفّزا لنشاطات أخرى مع مَن يهمّكم أمره؛ "الصدى" حيث استعنت ببعض قصص الكتاب لحصص التنوّر القرائي لطلاب السادس الابتدائي، فقد صوّرت أربعة نصوص ووزعتها على الطلاب الذين جلسوا في مجموعات صغيرة، وكان المطلوب من كلّ مجموعة أن تـتـفّق على اختيار وقراءة نصّين على الأقلّ وتحاول أن تبدي رأيها بالقصة الأجمل، ومن خلال تنقّلي بين المجموعات ومشاركتي غير المباشرة بما يدور بين أعضاء كل مجموعة من نقاش حول القصص، توصّلت الى حثّ الطلاب على قراءة كافة النصوص التي لاقت جميعها استحسانهم، فصعب عليهم بعض الشيء تحديد القصة الأجمل، وأشير هنا الى أنّي استخدمت هذا الكتاب أيضا لفعاليات مماثلة لطلاب الخامس الابتدائي.
أما كتاب "إبداعات وشخصيّات" فإنه عمل رائع يحمد عليه كاتبنا، إذ قد أتقن وأبدع في إخراجه للنّور، وإيمانًا مني أنّ كلّ كتاب يبقى ساكنًا على الرف هو كتاب ميت الى حين تمسكه يد قارئ ما، ارتأيت أن يبقى هذا الكتاب مع بعض الكتب التي تشبهه مضمونا على سطح مكتبي لهدفين؛ أولهما أن كثيرا من الطلاب يحلو لهم دائما أن يقلّبوا ما أضعه أمامي على طاولتي، وثانيهما أنّني قرّرت منذ ثلاثة سنوات، أن أدرِجَ أسبوعيًّا حكمة أو قولا مأثورا في موقع المكتبة المدرسيّة على الشبكة العنكبوتيّة، حيث يشارك طلاب الثاني عشر باختيار قول لأحد المشاهير، فيوثَّـق القول في الموقع ويتم نشره أيضا في مواقع التواصل بين الطلاب، فيطّلع عليه أكبر عدد من زملائهم، ويتعرّفون الى شخصيّات يجهلونها إضافة الى إبداء رأيهم واعجابهم بالحكمة. ولا ينتهي الأمر هنا، بل أدعوكم لمشاركتي الشعور بالفرح الداخليّ والرّضى، وأنا أرقب الطلاب يدخلون إلى المكتبة لاختيار الأقوال، فمنهم من كان يختار قولًا على جناح السرعة، يعلمني ويمضي منتظرا أن ننشر اسمه تحت الحكمة واسم الشخصيّة، ومنهم من كان يطيل التصفّح وتقليب الصفحات متردّدا في اختيار الشخصية، أو انتقاء أجمل الأقوال المنسوبة لها، ومؤجّلا أحيانا القرار الى لقاء آخر مع الكتاب، فهل أجمل من أن نراهم ولـو يتصفحون ويقلّبون ويقرؤون ولو حتى بعض الأقوال المأثورة لشخصيات تاريخية هامّة؟!
مداخلة رشدي الماضي تحت عنوان جريس عواد مشروع ثقافيّ معبّأ بالمعرفة: أعرفني حين أمشي في حقول كلماتك تتفتح رؤياي، تركتني في لا حدود قلمي الذي يكره النقطة في آخر السطر. تركتني أتنزّه كغيمة عابرًا غابات كلماتك، يحملني عشقي لرائحة الورق، وأنا في سفر اشتياقي تسحبني ذاتي راضيًا بحكم المعاني، لدرجة لم أعد أتلذّذ في الغوص في بحر ما تكتب، بحر تتركه يتمدّد فوق الأوراق ليغمرها بالأخضر والأزرق، ويترك الموج يداعب وجهي قارئا، لأبلّل بالملح يدي، وأمحو ما كتب الرمل على شفتي، كيف لا ومعانيك ماء لا سراب، يجري رقراقا صافيا باردا؟ كيف لا ونفسي حرّى الى المعرفة، فلم يبق أمامها يا رفيقي، إلّا أن تغترف من معينك الذي لا ينضب!
المبدع جريس، أنت عروة ذهبية في أبجديّة لبحث وحفريات المعرفة، أعرف ولو أنّك لم تبح لي، بأنّ الكتابة جاءتك قبل أن تسعى اليها، فهي في دمك تسير في أكثر من اتجاه، تسير في نقاط وطيّات الحروف، بحثًا عن حقيقة الأسماء والمأثورات والمصطلحات، مشيت في طريق إنتاج المعرفة، أليس الفكر والمعرفة يعملان معًا في خلية كتوأمين داخل رحم التشابك والارتباط، كي يمنحا الكلمة الحقّة أكثر من حياة، بعد أن ينصبّا شتاءً في قلب سبعاها السماء؟!
توأمي في اشتهاء زاد المعرفة جريس عواد، مشينا معا رفقة أربع أسفياتنا الصدى، ومورد الأمثال، وتعابير ومصطلحات، ومسك إبداعات وشخصيات، مشينا في طريق عرفنا بدايتها، لكنّنا لم نعرف متى وأين تنتهي تلك، أليست هي دروب المعرفة التي لم يبق فيها إلّا أنفار قليلون، سبقونا في البحث عمّا يقتاتون به، في زمن أصبح الوقت فيه يحمل نعشًا في جسد الضّاد، يا له من زمن طغت فيه الغشمة الثقافيّة، حتى أرانب الأسئلة المنتجة للمعرفة المرتبطة بالفكر الذي يعمل على مراجعة نفسه، باستمرار راحت تفرّ من ثعلب الثقافة الشعبويّة المدمّرة، والتي تنهر كلّ بومة (رمز الحكمة) تحمل كلمة في منقارها. لكنّك وأنت العارف أنّ الثقافة هي الخط الأخير للحفاظ على الكيف والوطن، تحالفت مع جانوس إله الأبواب، وفتحت باب لغة البحث المميّز على مسمّياتها، بعد أن اصطدت بفخاخك الواعية الشيطانة من تفاصيلها، ليبقى ما تخطّه أفكارها معبّأة بالوضوح والفائدة والمتعة، حين يقرؤها أحد متلقيك تُقرّبُه اليك وتدفعه أن يتواصل معك، لِما فيها من غزارة ثروة. لقد صغرت الأرض وانكمشت دروبها، وأصبح يفد إلينا سيل من الاصطلاحات الأدبيّة والعلمية والاجتماعية والفلسفية والسياسية والاقتصادية، ونحن لا ننكر ما أسداه عدد من الأعلام الذين حاولوا أن يُعرّفوا ببعض المصطلحات على مختلف أنواعها، ولكن هذا الذي حاولوه وما يحاولونه بقي ناقصًا، فنحن لم نجد مرجعًا للقارئ العربيّ شبيها بكتاب قصّة الأدب في العالم، الذي يعرض آداب الأمم المختلفة على مرّ العصور، لذلك نثمّن عاليًا الأستاذيْن أحمد أمين والدكتور زكي نجيب محفوظ اللذيْن صنّفاه لنا، فأسديا بذلك خدمة جليلة للغة لعربية ولقارئيها، ولن أنسى الأستاذ أحمد حسن الزياد الذي نشر قبل عقود في كتابه (في أصول الأدب في الجزء الأول تعريفًا بالرواية والمسرحية والمأساة والملهاة، إضافة الى اصطلاحات أدبية أخرى رأت النور في كتبه القيّمة، ومهما يكن من شيء ما، فإنّ بعض الأدباء الآخرين قد اهتمّوا بتعريفنا بعدد من المدارس الأدبية: الرمزية والواقعية والرومنسية، كما عرّفنا البعض الآخر على السيرة والقصة والأقصوصة وغيرها، ولقناعتنا الراسخة أنّ محيط المعرفة لا نهاية له، تظلّ حاجتنا الماسّة الى المراجع التي تضمّ طائفة كبيرة من المصطلحات والأقوال المأثورة والمدارس والشخصيات وشرحها شرحًا تامًّا، بعيدًا عن الإسهاب الذي يحتمله الكتاب المفرد او المقالة الطويلة. وأذكر في هذا الصدد، بالفترة التي سادت فيها في أوروبا ما يُعرف بالموسوعات، وصغرت هذه وكبرت، وصار التفاوت بحجمها يساعد على اقتنائها، ويجد فيها القارئ بسهولة ضالّته، ولعلّ من إشهر الموسوعات الأدبية الصغيرة موسوعة كاسل للأدب العالمي، والتي تتضمّن مُجلّدين وتضمّ تعريفات وافية عن كل مصطلح أدبيّ غربيّ، وعن الآداب الأخرى وأشهر الأعلام والكتب، كذلك نجد كتبا صغيرة تُسمى دليل القارئ، وهذه الكتب تغنينا عن الرجوع الى الموسوعات الكبيرة، ومن الضروريّ أن لا ننسى الكتاب الصادر في الولايات المتحدة الأمريكية معجم الأدب الإنجليزي، وهو دليل مختصر يعرف بالمؤلفين والكتب والأسماء وصور الشعر والمصطلحات الأدبية المختلفة.
وإذ تسجّل هذه الحقائق، لا ننسى في أدبنا أيضًا العديد من المحاولات الجادّة والمباركة في مجال كتابة وطباعة وإصدار الموسوعات المختلفة، مثل الأصفهاني وابن قتيبة والميداني والموسوعة الميسرة والموسوعة الفلسطينية وإلى أكثر من ذلك، لكن باعتقادي أنّنا بحاجة الى مشروع موسوعيّ منهجيّ دقيق، يُحتلن كلّ مصطلح يستجدّ في عالم الثقافة والاقتصاد والاجتماع والسياسة والهايتك وعلم النفس، لم أعرّج على ذكر هذه الموسوعات، إلّا لأبقي عيني مفتوحتين على أسفيات اخي جريس عوّاد، وأُبرز أهمّيتها فهي حقائق تملأ كؤوس الفكر ضياء، فهو في كلّ حقيقة يوردها في أحد كتبه يؤكّد إخلاصه للكلمة الشائعة، والموضحة التي تلغي المسافة المظلمة بينها وبين كوكبه، ونسير معه من درب معرفيّ الى درب آخر، وكلّما نأينا فيه عنه نحس أنّنا أقرب ما نكون اليه، فهو ابن الضاد الوفيّ الذي يسكن الفلك في سيل المعرفة، ويرفض أن يهدأ له طوفان، ليظلّ ظلّ الشجرة التي أوحت لها الحمامة أنّ الكلمة سديدة الأبد، نصغي اليها حين نجلس على منحدر الجفاف، لتفرد لنا جناحيها وتطير بنا، وفي مناقيرها أنفاس مشكاة من نور، تحفّ بها غيمة تهدهدها الريح، تعلمها أن لا تنام، قبل أن تهطل مطرًا يومئ الينا ويومض لنا كي لا يُظمينا الظمأ.
أخي جريس عوّاد مشروعك الثقافيّ هو مشروع فرريد ومميّز، أهنّئك بباقة ورد مغسولة بنعناع المحبة، فأنت بمشروعك الثقافيّ الهامّ تخطّيت عتبة عالم الإبداع، فسجّلت اسمك بصمة أسلوبيّة مميّزة متمايزة، وأقدّر عاليا كلّ معاناتك ومجهودك في إصداراتك هذه.
مُداخلة نادر سروجي: انتصرت حيفا بالأمس بإميلَيْها، بتوماها( إميل توما) وحبيبها (إميل حبيبي)، وترسخت بتوفيق طوبي، وتبخترت بدرويشها محمود، وحافظت على تاريخنا ولغتنا ووجودنا باتّحادها، وارتفعت بناسها من وادي نسناسها حتى شموخ كرملها، وحفرت في ذاكرتنا مبادئ التاريخ غير المشوّه، والأفكار الاشتراكية والوطنية الصادقة، وتعلّمنا أبجدية الشعر والأدب والصحافة على أدراجها وشواطئها.
الحضور الكرام مع حفظ المقامات والقامات، حيفا ليست غريبة علينا، جئناها منذُ ثلاثين سنةٍ ونَيِّف من مقاعد دراسةٍ معًا، طلبنا العلمَ معًا وعُدنا للناصرة معًا، ونعود اليها اليوم معًا وما زلنا هنا نقاوم، ينقر فُؤادُنا القابض على جمرات التواصل والتميُّز والإبداع حُبًّا وعطاءً ووفاءً لأبناء شعبه ومبدعيه.
نُحني رؤوسنا إجلالًا للقائمين على هذا المكان ولهذا الإنسان، وقد فتح للجميع كلَّ أبوابِ المعرفة وفي هذا الزمان، وقد أثبتت حيفا وبجدارة أنها ترفعُ عَلَمَ الثقافةِ والإبداعِ، متحديةً أخواتها من مُدُنٍ وقرى عربية على العطاءِ والصدارةِ والوفاء.
بالأمس فقط، سبعةُ أعوامٍ وأكثر، جاءني صديقي ورفيقي جريس عواد، ووضع على طاولتي بعضَ أوراقٍ خجولة قرأتُها، وكانت سهلة الهضم لا تحتاج الى قاموس المنجد ولا الى "لسان العرب" ولا الى معاجم وأمهات الكتب كي نفهم الفحوى والمضامين. هي خاليةٌ من الكوليسترول ولا تُكسبك الدهنيات إذا قرأتها، خفيفةٌ على المعدة ولا ترفعُ الضغط عندما تمشي مع كلماتها، قصيرة في مسافاتها بالمختصر، خفيفةٌ ومعبِّرةٌ وهادفة، فقلتُ لهُ تقدَّم يا أخي فنحن معك وبجانبك، وستجدُ هذه القصص دربها عند من يحتاجها. وبدأت عملية النبشِ والتفتيشِ عن تراثٍ وقيمٍ وأهدافٍ ساميةٍ لأجيالنا ولأجيالٍ لاحقة، لكي تكون لهم نبراسًا يهتدون به، ولربما الى طريقٍ سعادة وطريق أمان. وتصطدم بعناد مسؤول المطبعة أنك ستسير في درب ألغامٍ شائكة عندما تلجأ الى الكتابة والكتاب، فما بك يا جريس تختارُ هذا الطريقَ الشائك!
ويستعرض أمامك أسماءَ كُتّابٍ وشعراءٍ وباحثين هم قامات بارزة ومتميزة كُلٌّ في مجالِهِ، يعانون من جفاءٍ مع القراءَة والقُرّاء، وتبقى الكتب مرتاحة على خاصرة الزوايا المهملة، ويُصرُّ جريس بكلِّ عناد أن الكتاب سيُطبع وبألفِ نسخة، والألفُ الأولى مثل القبلة الأولى، لها نكهتها ومذاقها وتاريخها وكلكم تعرفون، وجاءَت من بعدها أخرى، إعجابًا وتقديرًا ثم مفاجئًا في عالم الكتاب والقراءَة، وكانت الطبعة العبرية "ההד" وغارت أختها اللغة الإنجليزية فجاء كتاب "The Echo"، وجاءَت دار نشرٍ من صوفيا في بلغاريا لتسرق حق النشر والإصدار، ويتربع الكتاب هناك على عرش قائمة عشرة الكتب الأولى، على غرار مسابقة عشرة أغاني هنا، ويتفاجأ جريس من هذا الإقبال غير المسبوق في هذا الكتاب ولهذا النوع من الأدب اللطيف والهادف، ويبدأ رحلةً مع "موردُ الأمثال"، "تعابير ومصطلحات" و "إبداعات وشخصيات".
لا أكشفُ سِرًا عندما أقول أن جريس وقفَ في وجه الريح وكانت عاتيةً، ولم يركَع ولم يخضَع ولم يخطف رأس التحدي والصمود والبقاء، وكان الكتابُ أنيسَهُ ورفيقَ دربِهِ وشمعتهُ التي تُضيء له دروبَ الصحةِ والعتمةِ والأوجاع، ونجحَ بكل إصرار، ومن رحم الأوجاع والمعاناة والعذاب جاءَ "الصدى" وأخواته، ليرسل لنا جميعًا رسالة المحبة والبسمة والسعادة. أُقدّم شكري وتقديري لصاحبِ هذِهِ الوجبات الثقافية غير الدسمة لترافقنا في ترحالنا، في غُرفِ نومنا ورحلاتنا، في باصاتنا وقطاراتنا، وفي كل زاوية ومكان حتى مع فنجان قهوتنا، ليعيد لنا ولو بشكلٍ أولي متعة القراءة والتحول والتجوال في عالم مليء بالتمزق والعنف والضياع. مُتاكِّدٌ أنا، أننا بهذا سنمنع الجريمة والعنف لو أهدينا إلى طلابنا وأبنائنا ومدارسنا وجبةً خفيفة من هذه الكتب، لأغلقنا أبواب السجون وكسرنا أقفالها، ولانكسرت النِصالُ في مكانها، وساهمت ولو بشكلٍ متواضع في نشر الكلمة بدل السكين. في كل مداخلةٍ أختارُ نصًّا لشاعرٍ أو لكاتبٍ أو لباحثٍ، واخترت لمداخلتي في هذه الأمسية بعض الأبيات من قصيدة للراحل نزار قباني بعنوان "قصيدة هوامش على دفاتر النكسة": إنْ رضي الكاتبُ أن يكون مرةً دَجَاجَةً/ تُعاشِرُ الدُيُوكَ.. أو تبيضُ.. أو تنامْ/ فاقرأ على الكتابة السلام !!
مداخلة المحتفى به جريس عواد: الأخواتُ والإخوة الكِرام مع حفظِ الألقابِ مساءَ الخير، اسمحوا لي بِدايةً أن أُحيّيكم فردًا فردًا، وأن أشدَّ على أياديكُم مُرحِّبًا بِكُم في هذهِ الأمسيةِ الثقافيّة، وأخصُّ بالذكرِ مَنْ تحمَّلَ مشاقَّ السفرِ وحضرَ من خارجِ هذهِ المدينة العزيزة وسأذكرُ شخصينِ عزيزينِ على قلبي بالاسم، والدتي أم جريس أطال الله في عُمرِها، وحفيدي الأول زهير ابن الأربعةِ أشهُر الذي أصَرَّ أن يحضُرَ بنفسِهِ ليسمعَ حديثَ جَدِّه، فأهلًا وسهلًا بِكُم جميعًا.
كما أودُّ أن أشكرَ من أعماقِ قلبي القائمين على هذا النادي الثقافيّ، المجلس الملّي الأرثوذكسي الوطني في حيفا، الأخ فضل الله مجدلاني، المحامي كميل مويس والمحامي حسن عبادي، هذا النادي الثقافيّ المتميّز الذي يُشكِّلُ منبرًا واسعًا للفكرِ والتَّفاعُلِ الاجتماعيّ والمتمثِّلِ برئيسِهِ المحامي فؤاد نقارة ورفيقة دربه الأخت سوزي نقّارة، لكم جميعًا أُقَدِّمُ شكري وامتناني على هذا التكريم الذي أعتزُّ بِهِ كثيرًا، وأعتبرُهُ علامةً فارِقةً في مسيرتي الأدبيّة. إنَّ ما تقومون به من مجهودٍ كبيرٍ من أجلِ تكريمِ الأُدباءِ والكُتّابِ ورجالِ الثقافةِ والسّياسَةِ والمجتمع، هو شيءٌ عظيمٌ جِدًا ويُساهمُ مساهمةً فَعّالة في إبرازِ وإشهارِ ما يُقدِّمُهُ هؤُلاءِ لمُجتمَعِهِم، ويُشكِّلُ حافِزًا كبيرًا من أجلِ استمرارهِم في إبداعاتِهِم، ومن أجلِ غدٍ أفضلَ ومجتمعٍ واعدٍ نَصبو اليهِ جميعًا. كما وأشكرُ الأديب الشاعر والمُربّي رُشدي الماضي، وأخي وصديقي ورفيق دربي الذي واكبَ جميع إصداراتي المُهندس نادر سروجي، والشاعرة فوز فرنسيس على مشاركَتِهِم هذِهِ الأمسية الثقافيّة وما تفضلوا به من مُداخلاتٍ أعتزُّ بها وبقائليها.
كذلك أودّ أن أشكرَ كلّ من شارك في التقديم والتظهير لكُتبي، القاضي المتقاعد خليل عبود أطال الله في عمره ومنحه الصحة والعافية، الأديب المحامي وليد الفاهوم، الأديب الدكتور خالد تركي، الأديب والمربي فتحي فوراني، الأديب والإعلامي نادر أبو تامر، الأديب الشاعر والمربي رشدي الماضي، طيِّب الذكر الأديب الراحل د. حبيب بولس رحمهُ الله ، الأديب والروائي والقاص محمد علي طه، والأديب والشاعر حنا أبو حنا. كما وأشكُر الأخ ظافر شُربجي الذي قام بتصميم الغالبية العُظمى لإصداراتي من الغلاف الى الصفحات الداخلية، وكذلك الأخوة الأعزاء في مطبعة الحكيم على تعاونهم وعلى المهنية العالية للطباعة، كما وأشكر الناشر أخي العزيز الياس عوّاد الَّذي تحمل أعباء النشر كاملة.
قبلَ أكثرَ من عشرةِ أعوام، كنتُ في خِضَمِّ صراعٍ للبقاء، ولو قالَ لي أحدُهم حينها أنّني سأقِفُ هذا الموقف الذي أنا فيه اليوم، لكنتُ سأقولُ لهُ أنَّهُ يَهذي أو أنَّهُ يقولُ ذلكَ من قبيلِ رفعِ المعنويات. في ذاكَ الوقتِ كنتُ قد فقدتُ تدريجيا القدرة على الكلا،م وقد يكون ذلك هو المُحفّز الذي جَعَلني أخوضُ هذِهِ التجربة في محاولةٍ للتعبيرِ عمّا يجولُ في خاطري مِن أفكارٍ وأحاسيس. وكثيرًا ما كنتُ أتساءَلَ وأُسألَ لِماذا أكتُب؟ ولماذا هذه الموضوعات؟ ولماذا هذا المنهجُ الأدبيُّ بالذات؟ وقد تكون الإجابة على هذا التساؤُل تكمُن فيما قالَهُ أحد عمالقة الكُتّاب الفرنسيين في القرنِ التاسعِ عشر غوستاف فلوبير: "الكاتبُ لا يختارُ موضوعَ كتاباتِه، الموضوع هو الذي يفرِضُ نَفسَهُ عليه".
يَعيشُ شعبُنا مُعاناةً كبيرةً وتَعيشُ منطِقَتُنا الكثيرُ من المآسي والحروب والدّمار، وقد يَسأَلُ سائِلٍ: كيفَ لنا في هكذا ظروف أن نُقيمَ احتفالًا أو نستمرَّ في حياتِنا بشكلٍ طبيعيّ؟ أهو ترفُ الغنيّ أم فرحةُ الفقير؟ أم أنّنا محكومون أنّ نستمرَّ بحياتِنا بشكلٍ طبيعيّ كي نُحافظَ على انسانيّتِنا ونَحمي الأملَ الباقي فينا لغدٍ أفضل! وكما يقولُ أفلاطون: "الحياةُ أَمَلٌ... مَن فَقَدَ الأَمَلَ فَقَدَ الحياة..."
الواقعُ أنَّني أعتبرُ باكورة أعمالي، كتاب "الصدى"، الذي نُشرت طبعتُهُ الأُولى في بدايَةِ عام 2008، بمثابةِ القاطِرة التي تمنحُ قوةُ الدفعِ لِباقي المقطورات، رغمَ أنَّ جميعَهم أبنائي، لكنّ نجاحَ هذا الكتاب الذي طُرح في الأسواق بأكثرَ مِن طبعةٍ وتَمَّت ترجمتُهُ لِعدةِ لغاتٍ، كان بمثابةِ الرافعة الّتي سهَّلَت مُهِمَّةُ الاستمرارِ بالإصداراتِ بهذا الزَّخَم. وقد قام مُؤخرًا مسرح إِنسمبل فرينج الناصرة بانتاجِ مسرحيّة تحملُ اسمَ "الصدى" من إخراج هشام سليمان وتمثيل باقة من ألمعِ النجوم، والعملُ عِبارة عن مُعالجة مسرحيّة لحوالي عشرينَ قِصةً من قِصصِ الكتاب، وقد نالت هذه المسرحية نجاحًا مُنقطعَ النظير بحيثُ عُرضت لأكثرَ من ثمانين عرضًا.
هنالكَ خَيطٌ رفيعٌ يربُطُ بين إصداراتي، بَدءًا في البحثِ عن السعادةِ، ومرورًا في البحثِ عن الترفيه والمعلومة، إلى التعرُفِ على سِيَرِ العُظَماءِ والمُبدعين، وأقتبسَ فقرةً صغيرةً جاءَت في كتاب الصدى تقول: "لا يوجد وقتٌ للعيشِ بسعادةٍ أفضلَ من الآن فإن لم يكن الآن، فمتى إذًا؟ إنّ حياتنا مملوءَةٌ دومًا بالتحدّيات، لذلك من الأفضل أن نُقرِّر عَيشها بسعادةٍ أكبر، على الرغمِ من كلِّ التحدّيات. كان دائمًا يبدو لي بأن الحياة الحقيقية على وشك أن تبدأ، ولكن في كل مرة كان هناك مِحنَةٌ يجِبُ تجاوزُها، عَقَبَةٌ في الطريقِ يجبُ عبورَها، عَمَلٌ يجبُ إنجازهُ، دَيْنٌ يجب دَفْعَهُ، ووقتٌ يجبُ صَرْفَهُ كي تبدأ الحياة، لكنّي أخيرًا بدأتُ أفهمُ بأنَّ هذِهِ الأمور كانت هي الحياة. وجهةُ النظرِ هذِه ساعدتني أن أفهمَ لاحِقًا، بأنَّه لا وجودَ للطريقِ نحو السعادة، السعادة هي بذاتها الطريق.."
في نهايةِ حديثي، اعترفُ بأنّي قد رَكِبتُ الصِعابَ وربما تَجرَّأتُ باختياري لهذا المنهجِ من الكتابةِ وقد أرهقني هذا كثيرًا كما أمتعني كثيرًا أيضًا، فجاءَت كُتُبي مُتَدَثِّرَة بهذا المنهجِ العسيرِ والمُمتعِ في الوقت ذاتِه وجاءَت المعرِفَةُ والمعلومَةُ مَنسوجَةً مع الأفكارِ الأخلاقيّةِ والعِبرِ الإجتماعية نسيجًا جميلًا مُتكامِلًا يجمعُ ما بينَ الشكلِ والمضمون إن كان ذلك في كتابِ "الصدى" أو "موردُ الأمثال" أو "تعابيرٌ ومصطلحات" أو "إبداعاتٌ وشخصيات".
رُبَّما أرى نفسي في هذهِ الإصدارات لا أكتبُ الأدبَ والإبداعَ بالمعنى الكلاسيكي، لكنني أجِدُ نفسي كَمَنْ تَستدعيه حديقةُ الوعي والثقافةِ لجمعِ باقاتٍ من أزهارِها كي أنثُرَها لِمن يستمتعُ بجمالِ ألوانِها وباستنشاقِ عبيرِها. أخيرًا يُسعدني أن أنتهزَ فرصة قُربِ حلولِ عيد الأضحى المبارك لأتقدم لجميع المحتفلين بأسمى آيات التهاني والتبريكات أعاده الله علينا جميعًا بالصحةِ والسعادةِ وراحةِ البال وكُلُّ عامٍ والجميع بألفِ خيرٍ وعافِيَة.
أمسية ثقافيّة أقامها نادي حيفا الثقافيّ برعاية المجلس الملي الأرثوذكسي الوطني/ حيفا، وذلك احتفاءً بالكاتب جريس عواد، وإشهارًا لكتبه "الصدى" و"مورد الأمثال" و"تعابير ومصطلحات" و"إبداعات وشخصيات"، بتاريخ 8-9-2016 في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسية في حيفا، ووسط حضور من الأقرباء والأصدقاء والأدباء، وقد تولت عرافة الأمسية الكاتبة فوز فرنسيس، وتحدّث عن الكتب المذكورة كلٌ من: رشدي الماضي ود. نادر سروجي، وفي نهاية اللقاء شكر الكاتب جريس عواد الحضور والمنظمين والمتحدثين، ومن ثمّ تمّ التقاط الصور التذكارية!
مداخلة فوز فرنسيس: الحضور الكرام مع حفظ الألقاب؛ استللتُ بعض خيوط النور من الشمس الغائصة هنا عند شاطئ حيفا، لأنيرَ بها هذا المساء الذي يجمعني بكم. مساء ينضح شوقا للّقاء بمعشوقة تجمع شملنا؛ لغتنا العربية. مساؤكم قناديل متعطشة لزيتِ حبّ المعرفة والفكر. يا طيب هذه الأمسيات التي تجمعنا في كنف نادي حيفا الثقافي وحضن المجلس الملي الدافئ مساء كلِّ خميس، في لقاءات أدبية ثقافية مميّزة، فالشكر الجزيل لمن يدأب ويعمل على التنسيق والترتيب من أجل إنجاح هذه الأمسيات. تحيّةً مودّة واحترام لكلِّ من باتت هذه اللقاءات جزءًا من نمط حياته تُغنيه وتُغذّيه، وتحية شكر وتقدير للضيوف ولكلِّ من لبّى الدعوة هذا المساء تحديدًا، آملة أن يتكللَ لقاؤنا هذا بالنجاح، فتجنون ولو نزرًا يسيرًا من المعرفة والإفادة.
قد تقضّ وتؤرّق هوايات الطّفولة مضجع الكبر، وقد تكبِّلُ الخيالَ وتغزو الفكرَ أحلامُ الصّغر، وبعض النفوس لا يستكينُ صخب هديرها، إلّا بارتطام أمواج عصفِها بآفاقٍ تفوقُ بُعدَ النظر، وتتعدّى ذبذباتها حدود البصيرة والبصر، لترسوَ هناكَ عند شاطئ الإبداع، مُودّعة نبضَ الإلهام ونزفَ الحبر والقلم.
إنّه ابن الناصرة المهندس المعماري جريس عوّاد، الذي طوّع قلمه وفقَ إرادته، فراحَ يرسم به خرائطه حينا، ويسجّل قولا وحكمة أو قصة قرأها حينا آخر، وهو الذي يرى رسوماته الهيكيليّة تتجسّد على شكل بنايات، أبى أن يحتفظ بما اطّلع عليه من كنوز الأدب والمعرفة والثقافة لذاته، فارتأى أن يشاركنا ويطلعنا على ما اكتسب، مُجسِّدًا ذلك في إصدارات متنوعة؛ لا غاية يرجوها سوى المساهمة كابن غيور لهذا المجتمع بالنهوض بمشهدنا الثقافي قدر استطاعته، من خلال حثّ القارئ العادي صغيرًا كان أم كبيرًا على مطالعة القصص التي جمعها في إصداره الأول "الصدى"، وهي قصص قصيرة بسيطة لغويا، لكنها شائقة وهادفة تحمل في ثناياها قيمة تربوية واجتماعية، وهنا أشير الى النجاح الكبير الذي أحرزه هذا الكتاب على الصعيدين المحلي والعالمي، فترجم للعبرية والانجليزية والبلغارية والمكدونية.
لم يكتفِ جريس عواد بأن "يعطينا من طرف اللسانِ حلاوة"، بل أحبّ وشاء لنا أن نتذوّق ونجنيَ الشهد معه، فمضى يتابع خطاه يحمَل مِشعل النور ليبدّدَ ظلمة الجهل، آملا وطامحا أن يزيد الوعي والمعرفة والثقافة بين أبناء مجتمعه، ومشاركا في إثراء مكتباتنا ومخزونها الثقافي، فوضع بين متناول أيدينا "مورد الأمثال"، وأتبعه بكتاب "تعابير ومصطلحات" ليتوّجَ مشروعه الحاليّ بكتاب "إبداعات وشخصيات".
وهنا اسمحوا لي أن أنقل إليكم تجربتي الخاصّة مع كتابين من هذه الإصدارات، ربما تلقى استحسانكم فتكون مثالا لكم أو محفّزا لنشاطات أخرى مع مَن يهمّكم أمره؛ "الصدى" حيث استعنت ببعض قصص الكتاب لحصص التنوّر القرائي لطلاب السادس الابتدائي، فقد صوّرت أربعة نصوص ووزعتها على الطلاب الذين جلسوا في مجموعات صغيرة، وكان المطلوب من كلّ مجموعة أن تـتـفّق على اختيار وقراءة نصّين على الأقلّ وتحاول أن تبدي رأيها بالقصة الأجمل، ومن خلال تنقّلي بين المجموعات ومشاركتي غير المباشرة بما يدور بين أعضاء كل مجموعة من نقاش حول القصص، توصّلت الى حثّ الطلاب على قراءة كافة النصوص التي لاقت جميعها استحسانهم، فصعب عليهم بعض الشيء تحديد القصة الأجمل، وأشير هنا الى أنّي استخدمت هذا الكتاب أيضا لفعاليات مماثلة لطلاب الخامس الابتدائي.
أما كتاب "إبداعات وشخصيّات" فإنه عمل رائع يحمد عليه كاتبنا، إذ قد أتقن وأبدع في إخراجه للنّور، وإيمانًا مني أنّ كلّ كتاب يبقى ساكنًا على الرف هو كتاب ميت الى حين تمسكه يد قارئ ما، ارتأيت أن يبقى هذا الكتاب مع بعض الكتب التي تشبهه مضمونا على سطح مكتبي لهدفين؛ أولهما أن كثيرا من الطلاب يحلو لهم دائما أن يقلّبوا ما أضعه أمامي على طاولتي، وثانيهما أنّني قرّرت منذ ثلاثة سنوات، أن أدرِجَ أسبوعيًّا حكمة أو قولا مأثورا في موقع المكتبة المدرسيّة على الشبكة العنكبوتيّة، حيث يشارك طلاب الثاني عشر باختيار قول لأحد المشاهير، فيوثَّـق القول في الموقع ويتم نشره أيضا في مواقع التواصل بين الطلاب، فيطّلع عليه أكبر عدد من زملائهم، ويتعرّفون الى شخصيّات يجهلونها إضافة الى إبداء رأيهم واعجابهم بالحكمة. ولا ينتهي الأمر هنا، بل أدعوكم لمشاركتي الشعور بالفرح الداخليّ والرّضى، وأنا أرقب الطلاب يدخلون إلى المكتبة لاختيار الأقوال، فمنهم من كان يختار قولًا على جناح السرعة، يعلمني ويمضي منتظرا أن ننشر اسمه تحت الحكمة واسم الشخصيّة، ومنهم من كان يطيل التصفّح وتقليب الصفحات متردّدا في اختيار الشخصية، أو انتقاء أجمل الأقوال المنسوبة لها، ومؤجّلا أحيانا القرار الى لقاء آخر مع الكتاب، فهل أجمل من أن نراهم ولـو يتصفحون ويقلّبون ويقرؤون ولو حتى بعض الأقوال المأثورة لشخصيات تاريخية هامّة؟!
مداخلة رشدي الماضي تحت عنوان جريس عواد مشروع ثقافيّ معبّأ بالمعرفة: أعرفني حين أمشي في حقول كلماتك تتفتح رؤياي، تركتني في لا حدود قلمي الذي يكره النقطة في آخر السطر. تركتني أتنزّه كغيمة عابرًا غابات كلماتك، يحملني عشقي لرائحة الورق، وأنا في سفر اشتياقي تسحبني ذاتي راضيًا بحكم المعاني، لدرجة لم أعد أتلذّذ في الغوص في بحر ما تكتب، بحر تتركه يتمدّد فوق الأوراق ليغمرها بالأخضر والأزرق، ويترك الموج يداعب وجهي قارئا، لأبلّل بالملح يدي، وأمحو ما كتب الرمل على شفتي، كيف لا ومعانيك ماء لا سراب، يجري رقراقا صافيا باردا؟ كيف لا ونفسي حرّى الى المعرفة، فلم يبق أمامها يا رفيقي، إلّا أن تغترف من معينك الذي لا ينضب!
المبدع جريس، أنت عروة ذهبية في أبجديّة لبحث وحفريات المعرفة، أعرف ولو أنّك لم تبح لي، بأنّ الكتابة جاءتك قبل أن تسعى اليها، فهي في دمك تسير في أكثر من اتجاه، تسير في نقاط وطيّات الحروف، بحثًا عن حقيقة الأسماء والمأثورات والمصطلحات، مشيت في طريق إنتاج المعرفة، أليس الفكر والمعرفة يعملان معًا في خلية كتوأمين داخل رحم التشابك والارتباط، كي يمنحا الكلمة الحقّة أكثر من حياة، بعد أن ينصبّا شتاءً في قلب سبعاها السماء؟!
توأمي في اشتهاء زاد المعرفة جريس عواد، مشينا معا رفقة أربع أسفياتنا الصدى، ومورد الأمثال، وتعابير ومصطلحات، ومسك إبداعات وشخصيات، مشينا في طريق عرفنا بدايتها، لكنّنا لم نعرف متى وأين تنتهي تلك، أليست هي دروب المعرفة التي لم يبق فيها إلّا أنفار قليلون، سبقونا في البحث عمّا يقتاتون به، في زمن أصبح الوقت فيه يحمل نعشًا في جسد الضّاد، يا له من زمن طغت فيه الغشمة الثقافيّة، حتى أرانب الأسئلة المنتجة للمعرفة المرتبطة بالفكر الذي يعمل على مراجعة نفسه، باستمرار راحت تفرّ من ثعلب الثقافة الشعبويّة المدمّرة، والتي تنهر كلّ بومة (رمز الحكمة) تحمل كلمة في منقارها. لكنّك وأنت العارف أنّ الثقافة هي الخط الأخير للحفاظ على الكيف والوطن، تحالفت مع جانوس إله الأبواب، وفتحت باب لغة البحث المميّز على مسمّياتها، بعد أن اصطدت بفخاخك الواعية الشيطانة من تفاصيلها، ليبقى ما تخطّه أفكارها معبّأة بالوضوح والفائدة والمتعة، حين يقرؤها أحد متلقيك تُقرّبُه اليك وتدفعه أن يتواصل معك، لِما فيها من غزارة ثروة. لقد صغرت الأرض وانكمشت دروبها، وأصبح يفد إلينا سيل من الاصطلاحات الأدبيّة والعلمية والاجتماعية والفلسفية والسياسية والاقتصادية، ونحن لا ننكر ما أسداه عدد من الأعلام الذين حاولوا أن يُعرّفوا ببعض المصطلحات على مختلف أنواعها، ولكن هذا الذي حاولوه وما يحاولونه بقي ناقصًا، فنحن لم نجد مرجعًا للقارئ العربيّ شبيها بكتاب قصّة الأدب في العالم، الذي يعرض آداب الأمم المختلفة على مرّ العصور، لذلك نثمّن عاليًا الأستاذيْن أحمد أمين والدكتور زكي نجيب محفوظ اللذيْن صنّفاه لنا، فأسديا بذلك خدمة جليلة للغة لعربية ولقارئيها، ولن أنسى الأستاذ أحمد حسن الزياد الذي نشر قبل عقود في كتابه (في أصول الأدب في الجزء الأول تعريفًا بالرواية والمسرحية والمأساة والملهاة، إضافة الى اصطلاحات أدبية أخرى رأت النور في كتبه القيّمة، ومهما يكن من شيء ما، فإنّ بعض الأدباء الآخرين قد اهتمّوا بتعريفنا بعدد من المدارس الأدبية: الرمزية والواقعية والرومنسية، كما عرّفنا البعض الآخر على السيرة والقصة والأقصوصة وغيرها، ولقناعتنا الراسخة أنّ محيط المعرفة لا نهاية له، تظلّ حاجتنا الماسّة الى المراجع التي تضمّ طائفة كبيرة من المصطلحات والأقوال المأثورة والمدارس والشخصيات وشرحها شرحًا تامًّا، بعيدًا عن الإسهاب الذي يحتمله الكتاب المفرد او المقالة الطويلة. وأذكر في هذا الصدد، بالفترة التي سادت فيها في أوروبا ما يُعرف بالموسوعات، وصغرت هذه وكبرت، وصار التفاوت بحجمها يساعد على اقتنائها، ويجد فيها القارئ بسهولة ضالّته، ولعلّ من إشهر الموسوعات الأدبية الصغيرة موسوعة كاسل للأدب العالمي، والتي تتضمّن مُجلّدين وتضمّ تعريفات وافية عن كل مصطلح أدبيّ غربيّ، وعن الآداب الأخرى وأشهر الأعلام والكتب، كذلك نجد كتبا صغيرة تُسمى دليل القارئ، وهذه الكتب تغنينا عن الرجوع الى الموسوعات الكبيرة، ومن الضروريّ أن لا ننسى الكتاب الصادر في الولايات المتحدة الأمريكية معجم الأدب الإنجليزي، وهو دليل مختصر يعرف بالمؤلفين والكتب والأسماء وصور الشعر والمصطلحات الأدبية المختلفة.
وإذ تسجّل هذه الحقائق، لا ننسى في أدبنا أيضًا العديد من المحاولات الجادّة والمباركة في مجال كتابة وطباعة وإصدار الموسوعات المختلفة، مثل الأصفهاني وابن قتيبة والميداني والموسوعة الميسرة والموسوعة الفلسطينية وإلى أكثر من ذلك، لكن باعتقادي أنّنا بحاجة الى مشروع موسوعيّ منهجيّ دقيق، يُحتلن كلّ مصطلح يستجدّ في عالم الثقافة والاقتصاد والاجتماع والسياسة والهايتك وعلم النفس، لم أعرّج على ذكر هذه الموسوعات، إلّا لأبقي عيني مفتوحتين على أسفيات اخي جريس عوّاد، وأُبرز أهمّيتها فهي حقائق تملأ كؤوس الفكر ضياء، فهو في كلّ حقيقة يوردها في أحد كتبه يؤكّد إخلاصه للكلمة الشائعة، والموضحة التي تلغي المسافة المظلمة بينها وبين كوكبه، ونسير معه من درب معرفيّ الى درب آخر، وكلّما نأينا فيه عنه نحس أنّنا أقرب ما نكون اليه، فهو ابن الضاد الوفيّ الذي يسكن الفلك في سيل المعرفة، ويرفض أن يهدأ له طوفان، ليظلّ ظلّ الشجرة التي أوحت لها الحمامة أنّ الكلمة سديدة الأبد، نصغي اليها حين نجلس على منحدر الجفاف، لتفرد لنا جناحيها وتطير بنا، وفي مناقيرها أنفاس مشكاة من نور، تحفّ بها غيمة تهدهدها الريح، تعلمها أن لا تنام، قبل أن تهطل مطرًا يومئ الينا ويومض لنا كي لا يُظمينا الظمأ.
أخي جريس عوّاد مشروعك الثقافيّ هو مشروع فرريد ومميّز، أهنّئك بباقة ورد مغسولة بنعناع المحبة، فأنت بمشروعك الثقافيّ الهامّ تخطّيت عتبة عالم الإبداع، فسجّلت اسمك بصمة أسلوبيّة مميّزة متمايزة، وأقدّر عاليا كلّ معاناتك ومجهودك في إصداراتك هذه.
مُداخلة نادر سروجي: انتصرت حيفا بالأمس بإميلَيْها، بتوماها( إميل توما) وحبيبها (إميل حبيبي)، وترسخت بتوفيق طوبي، وتبخترت بدرويشها محمود، وحافظت على تاريخنا ولغتنا ووجودنا باتّحادها، وارتفعت بناسها من وادي نسناسها حتى شموخ كرملها، وحفرت في ذاكرتنا مبادئ التاريخ غير المشوّه، والأفكار الاشتراكية والوطنية الصادقة، وتعلّمنا أبجدية الشعر والأدب والصحافة على أدراجها وشواطئها.
الحضور الكرام مع حفظ المقامات والقامات، حيفا ليست غريبة علينا، جئناها منذُ ثلاثين سنةٍ ونَيِّف من مقاعد دراسةٍ معًا، طلبنا العلمَ معًا وعُدنا للناصرة معًا، ونعود اليها اليوم معًا وما زلنا هنا نقاوم، ينقر فُؤادُنا القابض على جمرات التواصل والتميُّز والإبداع حُبًّا وعطاءً ووفاءً لأبناء شعبه ومبدعيه.
نُحني رؤوسنا إجلالًا للقائمين على هذا المكان ولهذا الإنسان، وقد فتح للجميع كلَّ أبوابِ المعرفة وفي هذا الزمان، وقد أثبتت حيفا وبجدارة أنها ترفعُ عَلَمَ الثقافةِ والإبداعِ، متحديةً أخواتها من مُدُنٍ وقرى عربية على العطاءِ والصدارةِ والوفاء.
بالأمس فقط، سبعةُ أعوامٍ وأكثر، جاءني صديقي ورفيقي جريس عواد، ووضع على طاولتي بعضَ أوراقٍ خجولة قرأتُها، وكانت سهلة الهضم لا تحتاج الى قاموس المنجد ولا الى "لسان العرب" ولا الى معاجم وأمهات الكتب كي نفهم الفحوى والمضامين. هي خاليةٌ من الكوليسترول ولا تُكسبك الدهنيات إذا قرأتها، خفيفةٌ على المعدة ولا ترفعُ الضغط عندما تمشي مع كلماتها، قصيرة في مسافاتها بالمختصر، خفيفةٌ ومعبِّرةٌ وهادفة، فقلتُ لهُ تقدَّم يا أخي فنحن معك وبجانبك، وستجدُ هذه القصص دربها عند من يحتاجها. وبدأت عملية النبشِ والتفتيشِ عن تراثٍ وقيمٍ وأهدافٍ ساميةٍ لأجيالنا ولأجيالٍ لاحقة، لكي تكون لهم نبراسًا يهتدون به، ولربما الى طريقٍ سعادة وطريق أمان. وتصطدم بعناد مسؤول المطبعة أنك ستسير في درب ألغامٍ شائكة عندما تلجأ الى الكتابة والكتاب، فما بك يا جريس تختارُ هذا الطريقَ الشائك!
ويستعرض أمامك أسماءَ كُتّابٍ وشعراءٍ وباحثين هم قامات بارزة ومتميزة كُلٌّ في مجالِهِ، يعانون من جفاءٍ مع القراءَة والقُرّاء، وتبقى الكتب مرتاحة على خاصرة الزوايا المهملة، ويُصرُّ جريس بكلِّ عناد أن الكتاب سيُطبع وبألفِ نسخة، والألفُ الأولى مثل القبلة الأولى، لها نكهتها ومذاقها وتاريخها وكلكم تعرفون، وجاءَت من بعدها أخرى، إعجابًا وتقديرًا ثم مفاجئًا في عالم الكتاب والقراءَة، وكانت الطبعة العبرية "ההד" وغارت أختها اللغة الإنجليزية فجاء كتاب "The Echo"، وجاءَت دار نشرٍ من صوفيا في بلغاريا لتسرق حق النشر والإصدار، ويتربع الكتاب هناك على عرش قائمة عشرة الكتب الأولى، على غرار مسابقة عشرة أغاني هنا، ويتفاجأ جريس من هذا الإقبال غير المسبوق في هذا الكتاب ولهذا النوع من الأدب اللطيف والهادف، ويبدأ رحلةً مع "موردُ الأمثال"، "تعابير ومصطلحات" و "إبداعات وشخصيات".
لا أكشفُ سِرًا عندما أقول أن جريس وقفَ في وجه الريح وكانت عاتيةً، ولم يركَع ولم يخضَع ولم يخطف رأس التحدي والصمود والبقاء، وكان الكتابُ أنيسَهُ ورفيقَ دربِهِ وشمعتهُ التي تُضيء له دروبَ الصحةِ والعتمةِ والأوجاع، ونجحَ بكل إصرار، ومن رحم الأوجاع والمعاناة والعذاب جاءَ "الصدى" وأخواته، ليرسل لنا جميعًا رسالة المحبة والبسمة والسعادة. أُقدّم شكري وتقديري لصاحبِ هذِهِ الوجبات الثقافية غير الدسمة لترافقنا في ترحالنا، في غُرفِ نومنا ورحلاتنا، في باصاتنا وقطاراتنا، وفي كل زاوية ومكان حتى مع فنجان قهوتنا، ليعيد لنا ولو بشكلٍ أولي متعة القراءة والتحول والتجوال في عالم مليء بالتمزق والعنف والضياع. مُتاكِّدٌ أنا، أننا بهذا سنمنع الجريمة والعنف لو أهدينا إلى طلابنا وأبنائنا ومدارسنا وجبةً خفيفة من هذه الكتب، لأغلقنا أبواب السجون وكسرنا أقفالها، ولانكسرت النِصالُ في مكانها، وساهمت ولو بشكلٍ متواضع في نشر الكلمة بدل السكين. في كل مداخلةٍ أختارُ نصًّا لشاعرٍ أو لكاتبٍ أو لباحثٍ، واخترت لمداخلتي في هذه الأمسية بعض الأبيات من قصيدة للراحل نزار قباني بعنوان "قصيدة هوامش على دفاتر النكسة": إنْ رضي الكاتبُ أن يكون مرةً دَجَاجَةً/ تُعاشِرُ الدُيُوكَ.. أو تبيضُ.. أو تنامْ/ فاقرأ على الكتابة السلام !!
مداخلة المحتفى به جريس عواد: الأخواتُ والإخوة الكِرام مع حفظِ الألقابِ مساءَ الخير، اسمحوا لي بِدايةً أن أُحيّيكم فردًا فردًا، وأن أشدَّ على أياديكُم مُرحِّبًا بِكُم في هذهِ الأمسيةِ الثقافيّة، وأخصُّ بالذكرِ مَنْ تحمَّلَ مشاقَّ السفرِ وحضرَ من خارجِ هذهِ المدينة العزيزة وسأذكرُ شخصينِ عزيزينِ على قلبي بالاسم، والدتي أم جريس أطال الله في عُمرِها، وحفيدي الأول زهير ابن الأربعةِ أشهُر الذي أصَرَّ أن يحضُرَ بنفسِهِ ليسمعَ حديثَ جَدِّه، فأهلًا وسهلًا بِكُم جميعًا.
كما أودُّ أن أشكرَ من أعماقِ قلبي القائمين على هذا النادي الثقافيّ، المجلس الملّي الأرثوذكسي الوطني في حيفا، الأخ فضل الله مجدلاني، المحامي كميل مويس والمحامي حسن عبادي، هذا النادي الثقافيّ المتميّز الذي يُشكِّلُ منبرًا واسعًا للفكرِ والتَّفاعُلِ الاجتماعيّ والمتمثِّلِ برئيسِهِ المحامي فؤاد نقارة ورفيقة دربه الأخت سوزي نقّارة، لكم جميعًا أُقَدِّمُ شكري وامتناني على هذا التكريم الذي أعتزُّ بِهِ كثيرًا، وأعتبرُهُ علامةً فارِقةً في مسيرتي الأدبيّة. إنَّ ما تقومون به من مجهودٍ كبيرٍ من أجلِ تكريمِ الأُدباءِ والكُتّابِ ورجالِ الثقافةِ والسّياسَةِ والمجتمع، هو شيءٌ عظيمٌ جِدًا ويُساهمُ مساهمةً فَعّالة في إبرازِ وإشهارِ ما يُقدِّمُهُ هؤُلاءِ لمُجتمَعِهِم، ويُشكِّلُ حافِزًا كبيرًا من أجلِ استمرارهِم في إبداعاتِهِم، ومن أجلِ غدٍ أفضلَ ومجتمعٍ واعدٍ نَصبو اليهِ جميعًا. كما وأشكرُ الأديب الشاعر والمُربّي رُشدي الماضي، وأخي وصديقي ورفيق دربي الذي واكبَ جميع إصداراتي المُهندس نادر سروجي، والشاعرة فوز فرنسيس على مشاركَتِهِم هذِهِ الأمسية الثقافيّة وما تفضلوا به من مُداخلاتٍ أعتزُّ بها وبقائليها.
كذلك أودّ أن أشكرَ كلّ من شارك في التقديم والتظهير لكُتبي، القاضي المتقاعد خليل عبود أطال الله في عمره ومنحه الصحة والعافية، الأديب المحامي وليد الفاهوم، الأديب الدكتور خالد تركي، الأديب والمربي فتحي فوراني، الأديب والإعلامي نادر أبو تامر، الأديب الشاعر والمربي رشدي الماضي، طيِّب الذكر الأديب الراحل د. حبيب بولس رحمهُ الله ، الأديب والروائي والقاص محمد علي طه، والأديب والشاعر حنا أبو حنا. كما وأشكُر الأخ ظافر شُربجي الذي قام بتصميم الغالبية العُظمى لإصداراتي من الغلاف الى الصفحات الداخلية، وكذلك الأخوة الأعزاء في مطبعة الحكيم على تعاونهم وعلى المهنية العالية للطباعة، كما وأشكر الناشر أخي العزيز الياس عوّاد الَّذي تحمل أعباء النشر كاملة.
قبلَ أكثرَ من عشرةِ أعوام، كنتُ في خِضَمِّ صراعٍ للبقاء، ولو قالَ لي أحدُهم حينها أنّني سأقِفُ هذا الموقف الذي أنا فيه اليوم، لكنتُ سأقولُ لهُ أنَّهُ يَهذي أو أنَّهُ يقولُ ذلكَ من قبيلِ رفعِ المعنويات. في ذاكَ الوقتِ كنتُ قد فقدتُ تدريجيا القدرة على الكلا،م وقد يكون ذلك هو المُحفّز الذي جَعَلني أخوضُ هذِهِ التجربة في محاولةٍ للتعبيرِ عمّا يجولُ في خاطري مِن أفكارٍ وأحاسيس. وكثيرًا ما كنتُ أتساءَلَ وأُسألَ لِماذا أكتُب؟ ولماذا هذه الموضوعات؟ ولماذا هذا المنهجُ الأدبيُّ بالذات؟ وقد تكون الإجابة على هذا التساؤُل تكمُن فيما قالَهُ أحد عمالقة الكُتّاب الفرنسيين في القرنِ التاسعِ عشر غوستاف فلوبير: "الكاتبُ لا يختارُ موضوعَ كتاباتِه، الموضوع هو الذي يفرِضُ نَفسَهُ عليه".
يَعيشُ شعبُنا مُعاناةً كبيرةً وتَعيشُ منطِقَتُنا الكثيرُ من المآسي والحروب والدّمار، وقد يَسأَلُ سائِلٍ: كيفَ لنا في هكذا ظروف أن نُقيمَ احتفالًا أو نستمرَّ في حياتِنا بشكلٍ طبيعيّ؟ أهو ترفُ الغنيّ أم فرحةُ الفقير؟ أم أنّنا محكومون أنّ نستمرَّ بحياتِنا بشكلٍ طبيعيّ كي نُحافظَ على انسانيّتِنا ونَحمي الأملَ الباقي فينا لغدٍ أفضل! وكما يقولُ أفلاطون: "الحياةُ أَمَلٌ... مَن فَقَدَ الأَمَلَ فَقَدَ الحياة..."
الواقعُ أنَّني أعتبرُ باكورة أعمالي، كتاب "الصدى"، الذي نُشرت طبعتُهُ الأُولى في بدايَةِ عام 2008، بمثابةِ القاطِرة التي تمنحُ قوةُ الدفعِ لِباقي المقطورات، رغمَ أنَّ جميعَهم أبنائي، لكنّ نجاحَ هذا الكتاب الذي طُرح في الأسواق بأكثرَ مِن طبعةٍ وتَمَّت ترجمتُهُ لِعدةِ لغاتٍ، كان بمثابةِ الرافعة الّتي سهَّلَت مُهِمَّةُ الاستمرارِ بالإصداراتِ بهذا الزَّخَم. وقد قام مُؤخرًا مسرح إِنسمبل فرينج الناصرة بانتاجِ مسرحيّة تحملُ اسمَ "الصدى" من إخراج هشام سليمان وتمثيل باقة من ألمعِ النجوم، والعملُ عِبارة عن مُعالجة مسرحيّة لحوالي عشرينَ قِصةً من قِصصِ الكتاب، وقد نالت هذه المسرحية نجاحًا مُنقطعَ النظير بحيثُ عُرضت لأكثرَ من ثمانين عرضًا.
هنالكَ خَيطٌ رفيعٌ يربُطُ بين إصداراتي، بَدءًا في البحثِ عن السعادةِ، ومرورًا في البحثِ عن الترفيه والمعلومة، إلى التعرُفِ على سِيَرِ العُظَماءِ والمُبدعين، وأقتبسَ فقرةً صغيرةً جاءَت في كتاب الصدى تقول: "لا يوجد وقتٌ للعيشِ بسعادةٍ أفضلَ من الآن فإن لم يكن الآن، فمتى إذًا؟ إنّ حياتنا مملوءَةٌ دومًا بالتحدّيات، لذلك من الأفضل أن نُقرِّر عَيشها بسعادةٍ أكبر، على الرغمِ من كلِّ التحدّيات. كان دائمًا يبدو لي بأن الحياة الحقيقية على وشك أن تبدأ، ولكن في كل مرة كان هناك مِحنَةٌ يجِبُ تجاوزُها، عَقَبَةٌ في الطريقِ يجبُ عبورَها، عَمَلٌ يجبُ إنجازهُ، دَيْنٌ يجب دَفْعَهُ، ووقتٌ يجبُ صَرْفَهُ كي تبدأ الحياة، لكنّي أخيرًا بدأتُ أفهمُ بأنَّ هذِهِ الأمور كانت هي الحياة. وجهةُ النظرِ هذِه ساعدتني أن أفهمَ لاحِقًا، بأنَّه لا وجودَ للطريقِ نحو السعادة، السعادة هي بذاتها الطريق.."
في نهايةِ حديثي، اعترفُ بأنّي قد رَكِبتُ الصِعابَ وربما تَجرَّأتُ باختياري لهذا المنهجِ من الكتابةِ وقد أرهقني هذا كثيرًا كما أمتعني كثيرًا أيضًا، فجاءَت كُتُبي مُتَدَثِّرَة بهذا المنهجِ العسيرِ والمُمتعِ في الوقت ذاتِه وجاءَت المعرِفَةُ والمعلومَةُ مَنسوجَةً مع الأفكارِ الأخلاقيّةِ والعِبرِ الإجتماعية نسيجًا جميلًا مُتكامِلًا يجمعُ ما بينَ الشكلِ والمضمون إن كان ذلك في كتابِ "الصدى" أو "موردُ الأمثال" أو "تعابيرٌ ومصطلحات" أو "إبداعاتٌ وشخصيات".
رُبَّما أرى نفسي في هذهِ الإصدارات لا أكتبُ الأدبَ والإبداعَ بالمعنى الكلاسيكي، لكنني أجِدُ نفسي كَمَنْ تَستدعيه حديقةُ الوعي والثقافةِ لجمعِ باقاتٍ من أزهارِها كي أنثُرَها لِمن يستمتعُ بجمالِ ألوانِها وباستنشاقِ عبيرِها. أخيرًا يُسعدني أن أنتهزَ فرصة قُربِ حلولِ عيد الأضحى المبارك لأتقدم لجميع المحتفلين بأسمى آيات التهاني والتبريكات أعاده الله علينا جميعًا بالصحةِ والسعادةِ وراحةِ البال وكُلُّ عامٍ والجميع بألفِ خيرٍ وعافِيَة.
0 comments:
إرسال تعليق