بمناسبة ميلاده السبعين، نتساءل كمنتدى حوار، كيف احتفلت الجالية اللبنانية والعربية، بوجود وديع سعادة بيننا؟ الشاعر الذي ترك بصماته الخاصّة على الشعر العربي الحديث، والذي بنى عمارته الشعرية على طريقته التي تأثَّر بها شعراء كثيرون مجايلون ولاحقون. وديع الشاعر الذي اعترف بابداعه الشعري المتذوِّق العربي أينما كان، والذي وصل شعره الى لغات عالمية كثيرة. كيف استقبلت الجالية عيد ميلاده السبعين؟
ثلاثون سنة قضاها وديع في استراليا لم تستطع أن تعيد له "النظرة التي تركها أمام الباب". ولم تستطع أن تعوِّضه بنظرة بديلة. كل واحد منّا ترك نظرته أمام بابه يا وديع ورحل. ترك ذكرياته وأيام طفولته التي كبرت "مع التراب والشجر والزهر والعصافير". ثلاثون سنة وهو يحاول "وصل ضفَّتَين بصوت". وبقي الحاجز بين الضفتين كبيراً رغم الاصوات الكثيرة التي حاكها جسور تواصل. ثلاثون سنة ووديع يتساءل: "هذه العاصفة في الرأس كيف لا تحرّك غصناً؟" ولماذا لا تمطر وفي "عيونه غيوم؟". أنت عوَّدتنا على الحلم الوهم. وسنحلم بالغصون المتحركة و بالمطر. ثلاثون سنة وبقي "مثل شجرة هرمة اقتلعت من تربتها وغُرِست في تربة غريبة". ليس المنفى وحده هو التربة الغريبة. "فكل الامكنة صارت تقريباً منفى". ولماذا الـ "تقريباً" يا صديقنا؟ ورغم ذلك تجد الشاعر يتمسَّك "بوهم السعادة، بوهم الانسانية الحقة، بوهم الحق، بوهم السلام، بوهم الحياة الجميلة". فخطورة الشعر عند وديع "هي القدرة على الخلق، ولو بالوهم".
وديع الشاعر يتعاطف مع "صوت الجرح الذي هو الصوت الانساني بامتياز". وما معنى أن يكون الشاعر شاعراً "إذا لم يقاوم اللاإنسانية؟" والشعر عنده "هو تمرد على كل ما هو نقيض الانسانية". وهو صدق مع الذات والآخر. "ليس صادقاً من يكتب عن المحبة وفي قلبه حقد وبغض. ومن يكتب عن السلام وفي داخله أعداء". والشعر عنده هو الحياة. فالشعر ليس "مجرد كلمات. انه أولا حياة". ووديع عاش شعره وكتب بعض حياته. ولا زالت الطريق طويلة. يمكن لقارئ شعره أو لمن يستمع اليه ان يتمتع بالقراءة أو بالاستماع عكس العديد من الشعراء الذين يتطلب شعرهم قارئا أو مستمعا متخصصا في فكِّ الطلاسم. أضف الى أن شعر وديع يمزج بين الكتابة الفكرية والكتابة الشعرية دون التضحية بأحداهما. وأخيراً وديع يقول ما يفعل ويفعل ما يقول عكس غالبية الكتّاب والمثقفين في لبنان والعالم العربي.
سبعون سنة، ثلاثون منها في استراليا، انتقل وديع من الطباعة بالكتابة اليدوية، والتوزيع باليد على أرصفة بيروت، الى النشر الالكتروني مروراً بدور النشر التي لم يربح منها "فلساً واحداً". لكنه ربح المكانة المميزة في عالم النص الشعري الحديث. ورغم عمله، لسنوات طويلة، في صحافة بيروت ولندن وباريس وأثينا وسدني، لم نجد لميلاده السبعين صدى يذكِّر القراء بمن أثَّرَ في جيله من الشعراء وفي ما بعد جيله. لماذا؟ ألِأنهم يتساقطون؟ : "يتساقطون بأوطانهم التي صارت وهماً، وبانتماءاتهم التي صارت كذباً".
فكَّرنا في منتدى الحوار، رغم حداثة عهدنا على الساحة الاسترالية، باقامة مناسبة تكريمية لوديع. فردعنا أمران: الاول ان مناسبات التكريم في جاليتنا وصل الكثير منها الى حدّ المهزلة. والثاني وديع نفسه، دون أن نفاتحه بالموضوع، بعد أن قرأنا رأياً له يقول: "لم أتعاطف يوماً مع شعر التمجيد والرثاء والمديح والهجاء". ومناسبات التكريم في جاليتنا أصبحت بمعظمها تمجيداً ومديحاً وهجاء ورثاء يرثى له. فارتدعنا. لكننا رفضنا أن تمر المناسبة دون أن نقول له شكراً على كتاباته. لذلك نقولها علناً شكراً يا وديع على وجودك بيننا. وشكراً على شعرك الانسانيّ بامتياز.
وديع لم يتوقع يوماً تكريما من " الوجهاء" إذ أن وداعته لا تلتقي و "وجاهتهم"، ولا من أرباب الأعمال المشغولين دائماً بأعمالهم ، ولا تعنيهم في الغالب أعمال ال "وديع". فبينه وبين الانانيات والطوائفيات والقبليات والحزبيات الضيقة وديان ووهاد، وإلهه وإلهها لا يلتقيان. أما عن الصحافة والإعلام، فربما في القلب غصَّة.
هل توقع تكريما منا؟ لا نعتقد. لكن من الأن فصاعدا كل من استحق تكريما ولم يجده عليه ألا يتفاجأ إذا وقفنا له بالمرصاد.
"العابرون سريعاً جميلون. لا يتركون ثقل ظل. ربما غباراً قليلاً، سرعان ما يختفي". وعبورك في شعرنا العربي الحديث، وفي حياة جاليتنا، جميل جميل. ترك و سيترك ظلالاً ربيعية متجددة دائماً ولن تختفي.
منتدى الحوار – سدني –
الرجاء قراءة التعليقات تحت المقال
ألله معك يا صاحبي الشاعر وديع
ردحذفكلك براعه وشعرك بعدّو بديع
حقّك تا نوفي بالحكي ما منستطيع
منك فظيع وبس أكتر من فظيع
حرف الهجا لأوامرك أكبر مطيع
وشعرك حديث وأربع فصولو ربيع
من زمان قلت وهلق بعيد الكلام
بمجلة الغربه تا يوصل للجميع
عصام ملكي