احمد مطر مع ناجي العلي
اسم الشاعر احمد مطر يذكرني بصاحبي الراحل الكاتب الاكاديمي الفلسطيني الدكتور احمد ابو مطر الذي توفى بسكة قلبية في دولة الإمارات في يناير 2016.
لقد تعرفت على د. ابومطر قبل عدة سنوات عندما كنت انشر مقالاتي في موقع "آفاق" بكاليفورنيا والحوار المتمدن. لقد نشر الأستاذ ابومطر مقالاتي في موقعه في مدينة اوسلو بالنرويج، في قسم المقالات المميزة.
اختيار وإعداد عادل محمد
23 أغسطس 2019
حياته المبكرة
ولد أحمد في مدينة البصرة بمنطقة التنومة، وكان لها تأثير واضح عليه، فهي -كما يصفها- تنضح بساطة ورقّة وطيبة، مدينة مطرّزةبالأنهار والجداول والبساتين، وبيوت الطين والقصب، وأشجارالنخيل، لقد انتقلت أسرته إلى محلة الأصمعي، وهي إحدي محلات البصرة وكانت تسمى في بداية إنشائها بـمحلة "الومبي" نسبة إلي اسم الشركة البريطانية التي بنت منازلها، ولعل من طريف القول هنا أن أحمد مطر غالبا ما كان يردد: "من الومبي للومب لي" في إشارة إلى اسم المكان الذي حل به من بريطانيا، ولقد أكمل أحمد دراسته الابتدائية في مدرسة العدنانية، ولشدة سطوة الفقر والحرمان عليه قرر تغيير نمط حياته لعل فيه راحة له وخلاصا من ذلك الحرمان، فسارع للانتقال إلى بغداد، وبالتحديد إلى منطقة الزعفرانية ليعيش في كنف أخيه الأكبر علي.
بداية مشوار الشعر
في سن الرابعة عشرة بدأ أحمد مطر يكتب الشعر، ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزل والرومانسية، أما موهبته في الشعر، فبدأت تظهر في أول قصيدة كتبها حيث كان في الصف الثالث من الدراسة المتوسطة، وكانت تتألف من سبعة عشر بيتا، ومن الطبيعي ألا تخرج تلك القصيدة عن نطاق الغزل والهيام وهو أمر شائع ومألوف بين الناس لصبي أدرك منذ أدرك أن الشعر لا يعني سوى الوجد والهيام والدموع والأرق، وكان مطلع القصيدة:
مرقت كالسهم لا تلوي خطاها ليت شعري ما الذي اليوم دهاها
يقول بعض من قرأ القصيدة : "إذا نظرنا إلى القصيدة نجد سنًا أكبر من سنه، وهذا لا يتهيأ فنّا ورصيداً لصبي ما زال مخزونه اللغوي والفني في طور التشكيل". وقد عُرِضَتْ تلك القصيدة في حينها على أحد المختصين فلم يصدق أنها لطالب ما زال في المرحلة المتوسطة، ثم راح أحمد مطر يكتب القصائد في ذكرى مولد النبيمحمد والإمام علي بن أبي طالب، ومما كتبه بهذا الخصوص وهو في المرحلة المتوسطة قصيدة مطلعها:
راحت تحاورني وتسكب همسها
نغما رقيقا يستفيق على الفم
وجاء فيها قوله:
ومشاعر تكبو تخط سماحة
فتقول: (رائعة فضربة لهذم)
.
وأحمد مطر هنا يشير إلى قصيدة الجواهري (رسالة إلى أبي هُدى) وهي قصيدة نشرتها جريدة الثورة تحت عنوان رائعة الجواهري، ومطلعها (نبأت أنك توسع الأزياء عتا واعتسافا). وفيها يعاتب الجواهري وزير الداخلية في حينها صالح مهدي عمّاش على منعه الملابس النسائية القصيرة، وعلى إنشائه شرطة الآداب التي راحت تحاسب من يرتدين هذه الملابس.
وبسبب قسوة الحياة والظروف القاهرة التي كان يعيشها مطر, تعثر في دراسته، ولأنه أحبط لجأ إلى الكتاب هربا من واقعه، فزوده برصيد لغوي انساب زادا لموهبته، وأضافت لزاده هذا تلك الأحداث السياسية التي كان يمر به وطنه، وهو أمر جعله يلقي بنفسه في دائرة السياسة مرغما، بعد أن وجد أن الغزل والمواليد النبوية لا ترضي همته، فراح يتناول موضوعات تنطوي على تحريض واستنهاض لهمم الناس للخلاص من واقعهم المر، وفي هذا الصدد يقول الشاعر: "ألقيت بنفسي مبكرا في دائرة النار، عندما تكشفت لي خفايا الصراع بين السلطة والشعب، ولم تطاوعني نفسي على الصمت أولًا، وعلى ارتداء ثياب العرس في المآتم ثانيا، فجذبت عنان جوادي ناحية ميدان الغضب"، فذاع صيته بين الناس، وهو أمر جلب له ألما وسجنا، ويذكر إنه سجن في مدينة الكوت أثناء تأديته لخدمة العلم، وذلك بعد رفضه طلبا لمحافظها محمد محجوببإلقاء قصيدة بمناسبة احتفالات ثورة تموز، فما كان من أحمد مطر إلا أن نظم قصيدة وهو في سجنه يخاطب فيها لائميه يقول مطلعها:
ويك عني لا تلمني فأنا اللوم غريمي وغريمي بأسي
فترة السجن وفقدانه أخوته
في هذه الفترة من حياته رزء بفقد شقيقه الأصغر (زكي) بحادث سيارة مفتعل، وسرعان ما تبعه شقيقه الآخر (خالد) الذي كان منظره وهو متدل من حبل المشنقة لا يفارق أمه الثكلي التي ابيضت عيناها من الحزن على أولادها، ولولا مشاركة الأب الذي كان هيكلا عظميا مسجى على فراش المرض لها وتقاسمه العذاب معها لما استطاعت احتمال فقد أولادها.
حياته في الكويت
وفي الكويت عمل في جريدة القبس محرراً ثقافياً، وعمل أيضاً أستاذاً للصفوف الابتدائية في مدرسة خاصة، وكان آنذاك في منتصف العشرينات من عمره، حيث مضى يُدون قصائده التي أخذ نفسه بالشدّة من أجل ألاّ تتعدى موضوعاً واحداً، وإن جاءتالقصيدة كلّها في بيت واحد. وراح يكتنز هذه القصائد وكأنه يدوّن يومياته في مفكرته الشخصيّة، لكنها سرعان ما أخذت طريقها إلى النشر، فكانت "القبس" الثغرة التي أخرج منها رأسه، وباركت انطلاقته الشعرية الانتحارية، وسجّلت لافتاته دون خوف، وساهمت في نشرها بين القرّاء.
أحمد مطر وناجي العلي
وفي رحاب القبس عمل الشاعر مع الفنان ناجي العلي، ليجد كلّ منهما في الآخر توافقاً نفسياً واضحاً، فقد كان كلاهما يعرف -غيباً- أن الآخر يكره ما يكره ويحب ما يحب، وكثيراً ما كانا يتوافقان في التعبير عن قضية واحدة دون اتّفاق مسبق، إذ أن الروابط بينهما كانت تقوم على الصدق والعفوية والبراءة وحدّة الشعور بالمأساة ورؤية الأشياء بعين مجردة صافية، بعيدة عن مزالق الإيديولوجيا.
وكانت لافتة أحمد مطر تفتتح الصفحة الأولى في الصحيفة، وكانناجي العلي يختمها بلوحته الكاريكاتيرية في الصفحة الأخيرة.
موقف السلطات العربية
ومرة أخرى تكررت مأساة الشاعر، حيث أن لهجته الصادقة، وكلماته الحادة، ولافتاته الصريحة، أثارت حفيظة مختلف السلطاتالعربية، تماماً مثلما أثارتها ريشة ناجي العلي، الأمر الذي أدى إلى صدور قرار بنفيهما معاً من الكويت، حيث ترافق الاثنان من منفى إلى منفى. وفي لندن فَقدَ أحمد مطر صاحبه ناجي العلي الذي اغتيلبمسدس كاتم للصوت، ليظل بعده نصف ميت، وعزاؤه أن ناجي ما زال معه نصف حي، لينتقم من قوى الشر بقلمه .
الانتقال إلى لندن وحياته فيها
انتقل أحمد مطر إلى لندن عام 1986 بسبب عدم نزوله عن مبادئه ومواقفه ورفضه التقليل من الحدة في أشعاره التي كان ينشرها في "القبس"، وهو أمر لا تستسيغه الكويت، وكانت المنطقة تمر بحربطاحنة، إلا أنه بقي يعمل في مكاتب القبس الدولية، ومن لندن سافر أحمد مطر إلى تونس ليجري فيها اتصالات مع كتابها وأدبائها، فرجع قافلاً إلى لندن ليلقي فيها عصا الترحال ويستقر فيها بعيدا عن وطنه، وسرعان ما تسوء علاقته مع القبس، ولا سيما بعد (أن فتحت القبس له قوس الخيبة مع قصيدة "أعد عيني" وقصيدة "الراحلة") فصارت "الراية" القطرية متنفسه علي العالم بعد أن نحرت الرقيب على أعتاب لافتاته كما يقول أحمد مطر إكراما للحرية.
المصادر: المواقع العربية وموسوعة ويكيپيديا واليوتيوب
0 comments:
إرسال تعليق