بقلم: منى عساف*
في رابطة الكتّاب الأردنيين وفي قاعة غالب هلسة كان اللّقاء مع الكاتب زياد جيوسي بمحاضرة عن كتابه "أحلام عمّانية"، والعلاقة الّتي تربطه بمدينة عمّان فتجول روحه بين عمّان ورام الله، وقد أدار الجلسة الدكتور أحمد ماضي رئيس الّتيار التّقدميّ في الرّابطة، حيث قام بتقديم الكاتب والتّحدث عن علاقته بالمدن وخاصة عمّان ورام الله وعن مسيرته بين الكتابة والنضال والمعتقلات، ثمّ ترك المجال للكاتب للتّحدّث للحضور فقال في بداية الجلسة: "ربّما كان من الصّعب أن يتحدّث الإنسان عن نفسه أو عن إنجازه، ولكن في هذه الأمسية الجميلة بحضوركم في راحتي العابرة في عمّان ذاكرة الطّفولة والشّباب، وأنا الّذي اعتدت منذ سنوات طويلة على السفر والتجوال والتّرحال، لا بدّ من القول أن كتاب أحلام عمّانية وإن كان مستقلا عمّا سبقه وعمّا سيليه إلّا أنّه في المسار هو استكمال لما سبقه وهو أطياف متمردة وسيستكمل في ياسميّنات باسمة والّذي سيرى النّور قريبا، وبعدها يتبقى طباعة كتابين جاهزين ويكتمل نشر خماسية الأطياف المتمردة، فهذه خماسية من خمسة كتب لها حكاية قديمة معي بدأت منذ عام 1972".
وأشار الكاتب إلى أنّ: "أحلام عمّانية بالذات بدأت بكتابتها في 12/3/2016 إلى 19/2/2017 وبالتحديد منذ اليوم الأول من عامي ال 62 حتى نهاية العام ولذا أتت في 62 نصا كان آخرها بعنوان رهين المحبسين حيث كنت قد تعرضت لحالة مرضية مفاجئة ونادرة حين فقدت النظر فجأة بمعدل 85% واستمرت هذه الحالة قرابة أربعة شهور حتى عدت لوضعي الطبيعي وكان الطبيب قد قال لي أنّها تأتي فجأة ولا علاج لها ولكنها تنتهي بعد عدة شهور، وهذا ما حصل".. وقال أيضا: "في أحلام عمّانية وما يليه وكما في أطياف متمردة أخاطب طيفي الّذي يرافقني في حلّي وترحالي، هذا الطيف/ الروح الّذي يمثّل وطنا يتمثّل في أجمل أنثى وأجمل أنثى تتمثّل بأجمل وطن، وأما سبب التسمية بأحلام عمّانية فهو يعود لحجم محبتي وعشقي لعمّان، فهي المدينة الّتي ضمّتني طفلا وحنت علينا بعد نكسة حزيران حتى عدّت للوطن فلسطين في نهاية عام 97، فبقيت عمّان رغم قسوة عشتها فيها عدّة سنوات تسكن القلب، وكانت ثاني المعشوقات الأربعة اللواتي سكنّ الروح، رام الله وعمّان ودمشق وبغداد، أمّا جيّوس فكانت الاستثناء العشقي فهي بلدة الأجداد والّتي عرفتها أوّل مرّة عام 1965 والثّانية حين عدّت للوطن والآن أقيم بها حين أكون في الوطن".
وتحدّث الكاتب عن ذاكرته في عمّان منذ أوّل وعيه في الرّابعة من عمره عندما رأى سيل عمّان حين فاض ذات شتاء ومع انعكاس الشمس عليه ظنّ أنّه نهر من ذهب، وبقيت هذه الصّورة لا تفارقه، وتحدّث عن عمّان الطفولة والّتي لا تشابه عمّان الآن الّتي امتدّت وتوسّعت، وحين غاب عنها بسبب الاحتلال 11 عاما متواصلة وعاد إليها كاد أن يتوه عن بيته فيها، وكتب في مقال له عن عمّان عبارة قال فيها: "أبحث عن وجه حبيبتي، فمن يعيد لي وجه حبيبتي الّذي افتقدت"، وأكّد على مقولته الّتي كانت في مقابلة صحفية: "عمّان ورام الله رئتي القلب يفصل بينهما نهر مقدس"، وقال أيضا: حين تركت رام الله في بدايات 2016 وفي نفس الوقت الّذي بدأت أرمّم به وكن في جيوس قريتي، قضيت معظم وقتي في عمّان وكان الشوق يشدني لجيوس ورام الله فتتنازع المحبوبات الثلاثة القلب، فكتبت هذه النصوص الّتي مازجت عشقي لعمّان ورام الله وجيوس وقلت في بداية الكتاب: (أحلام عمّانية.. هي بعض من بوح الروح في عمّان الهوى الّتي تسكن الروح والقلب، كتبت معظمها في صباحاتي المبكرة بعد تجوالي في دروب الحي الّذي أسكنه فيها بعد غياب طويل عنها، فكان الحنين لعمّان الطفولة الّتي حنت عليّ منذ كنت طفلا، يتأرجح بين رام الله الّتي كنت قد تركت صومعتي فيها بعد سنوات قاربت العشرين عاما، وبين جيوس قريتي الخضراء الّتي رممت صومعة فيها لأخلد لراحتي وأحلامي بها، وبين مشاعر تجتاحني وأنا أحتسي قهوتي في شرفتي العمّانية، فما بين رام الله وعمّان كنت دوماً كالفراشة المحلقة بين زهرتين، وجيوس الّتي لم أسكنها في السّابق كانت تشدّني بقوّة.
أحلامي العمّانية هي بعض من أطيافي المتمرّدة الّتي نثرت بعضا منها في كتابي "أطياف متمرّدة"، وكانت معظم النصوص بوح للروح ونزفها في صومعتي في رام الله، ولم أنشر باقي النصوص تاركا إيّاها لتتمرّد وتفكّ القمقم وتخرج محلّقة كما فعلت زميلاتها).وجدير بالإشارة أن من كتب تقديم الكتاب هو الأستاذ دكتور ثريّا وقّاص من جامعة وجدة بالمغرب وطنها حيث قالت من ضمن ما قالته: (تقديم كتاب مثل "أحلام عمّانية" ليس بالأمر السهل أبدا، لأن كاتبه الأستاذ زياد جيوسي دائم الانفلات الجميل..
تقرأ له "صباحكم أجمل" فتجده في النقد. تضبطه وهو يجثو على تراب رام الله فيطلّ عليك من عمّان. تمسك به وهو يكتب مشجعا ومعرّفا بالأقلام الشابة فتراه يغرس شجرتك الفلسطينيّة في موقع النّبي غيث في منطقة دير عمار..
وتقول أيضا: ثم إنّنا مع التقّدم في القراءة يتراءى لنا جيّدا هذا الطفل الكبير العاشق وهو يتأمّل قطرات المطر، يحتسي قهوة الصباح ويعانق طيف المعشوقة الغائبة بهيام شبيه بابتهال، أما عمّان الحاضرة كفضاء الكتابة فتقابلها جيوس ورام الله. المسافة لا تفرّق ولكنّها تخلق سبل التواصل حتّى نكاد نرى هذه الفضاءات تتشّكل وتتراصّ كقطع في متحف عريق تحكي حقبة قلب وحكاية عشق أزلية.
هذه الوجدانيات الّتي تتلون بقطرات المطر حينا والياسمين والورود والعصافير حينا آخر هي قطع نورانية أيضا وتضيء درب من يقرأ ليصل إلى الخلاصة البسيطة وهي أن الحلم العمّاني يأخذ شكل امرأة غائبة تجسّدها الكلمات.. وتجدر الإشارة إلى أن الجميل في كتابات زياد جيّوسي هو أنّها ترتدي النّظرة المرحة والجيّاشة لعاشق يتنقل بين هذه الفضاءات حاملا فلسطين في قلبه وعمّان في روحه واللتين يصفهما انطلاقا من نظرة جميلة إيجابية، فلا نرى أي نقد سلبي ولا أي تأفف أو ضجر وحتى هذا الانتظار لحبيبة تأخّرت بالمجيء، يحاول الرّاوي تأثيثه بطيفها والذّكريات وحلم الّلقاء الوشيك. وزياد يحاول في كتابة "أحلام عمّانية" تأسيس الوجدان وعلاقته بالذات والآخرين والأرض، لأنّ التفتت في العلاقات الاجتماعيّة والإنسانيّة عموما يحصل غالباً حين تكون هذه العلاقات مستلبة وغير معبرة عن وجدانها.
وكخلاصة نستطيع القول بأن قراءة نصوص زياد جيّوسي تتيح للقارئ تكوين فكرة مختزلة عن معنى الحياة المتمثلة أساساً في العشق الخاص والعام معاً، وأنّ شكل النّص القصير المختصر والمليء صورا يسمح له باستشراف عالم لا نهائيّ، حيث يستطيع أن يضيع ويجد نفسه معاً.. والأحاسيس الّتي تطالعنا في نهاية المطاف هي أحاسيس رجل أمام وحدته وهشاشة حياته دون حبيبته الغائبة، أما النّظرة الّتي ما توقفت عن معانقة الناس فهي تعانق الآن وجدانه أيضا وتراقب الحياة الّتي تمرّ فترتجّ روحه. باختصار شديد أقول: حين نقرأ زياد جيّوسي نصبح عشاقا.)
بينما قالت الكاتبة لينا حجاوي المقيمة في دمشق: (هو احتفال بروايته، الّتي استغرقتني في القراءة زمنا لا أقيسه بساعات أو أيام هو اغتالني من العالم الافتراضي إلى عالم عشنا فيه زمنا لا بأس به ما قبل حرب السبعة وستون والغربة...إلى دول محيطة بفلسطين، استغرقتني لما فيها من رموز وجدانية نعيشها معه بما خطّت كلماته من كلمات وروح مغتربة بين وطنين عمّان ورام الله حيث شرفته العمّانية تطل على رام الله ليشرب قهوته ويرحل بنظره إلى الأفق وعطر الياسمين يداعب مشاعره. ليبدأ ببوحه عن ما تحمل روحه من مشاعر صوفيّة المعنى ليرتقي بنفسه إلى أعلى درجات المصداقيّة يبعث روحه من خلال الرّواية وما يجول فيها بين كونه فترة في عمّان وفترة في رام الله.. عندما كنّا نزور عمّان من زمن إلى آخر كنّا نشاهد من جبل عمّان جبل المكبّر في القدس فنحس بأرواحنا رحلت إليها ونتمنى أن نصل إليها عبر الأثير وتنتقل أرواحنا المغتربة.. بالنسبة للأستاذ زياد رام الله الزّوجة الثّانية.. الّتي تغار منها روحه الأخرى الزّوجة والعائلة... برعايته يتعرض للغجر الّذين يمرون في فلسطين وعمّان وبلاد أخرى وأشياء أخرى فعلا، استمتعت بقراءتها برغم استغراقي زمنا لا بأس به بقراءتي المتأنّية لعلّي أجد أشياء أفاض بها وغفلت عنها وأعود للبدايات لأصل إلى ربط بين الأجزاء الجميلة في روايته. حين يتعرض الكاتب لبلدته جيّوس حيث عاش آباؤه وأجداده في أزمنة سبقت فهو العنوان لذاكرة وطن وتأريخه الزمني ..).
وأنهى الكاتب الجيّوسي الحديث بقوله: هذه بعض من حكايتي في عوالم الكتابة وفضاءاتها، حكايتي مع خماسيّة أطيافي المتمرّدة، بينما في الوجه الآخر هناك حكاياتي مع البلدات والمدن في فلسطين والأردن ودول أخرى في كتبي ومقالاتي: بوح الأمكنة، مشيرا أنّه تحت التّجهيز للنّشر الآن كتابي وهمساتي لرام الله الّتي كتبتها تحت عنوان صباح أجمل لرام الله، وكتاب آخر عن النّقد السّينمائيّ للسّينما الفلسطينيّة وبعض من الدّراسات الأخرى وكتب صدرت بالنقد التشكيلي لينهي القول بعبارة: شكرا لكم لاحتمال بوحي... لتنتهي الندوة التي أبدع د. أحمد ماضي بإدارتها ومحاورة الكاتب بأدق تفاصيل الكتاب، بحوار مطول من الحضور وتوقيع الكتاب..
*مدير عام راديو بيسان/ رام الله
0 comments:
إرسال تعليق