تحولات النار في مائية الفنان اللبناني شوقي دلال

* بقلم (د.عمر سعيد شبلي)

         ليس من السهل أن تقرأ عملا إبداعيا قراءة نقدية، غير أني سأحاول تذوقه بشكل يجعلني أفهم ألوان هذا العمل الغريبة جدا، ليس لغرابة النسيج فيها، بل لاتساع المخيلة التي تمكنت من جمع ألوان الموت والخصب والتربة والجسد بلون الصيفى والشتاء الليل و الأمل والصبح والسماء والمساء فيها، وقد أوثق كل منهما إلى الآخر بالأبيض الذي زادته نصاعةً قيمةُ العمل وعظمته في إنسانين، كان أقل الحال طبيعية جراء عملهما؛ أن يغطي ثيابهما السواد.

غير أن الريشة كستهما بياضاً يعطي مهنتهما بعداً إنتاجياً إنسانياً قيمياً اخلاقياً، حفظ لهما اتزانهما وثباتهما اما تكاليف الحياة التي تلطخ عابرها..

كذلك إن تفاصيل المكان المتراكمة المتراصة، لم تنل من حضورهما الجلي على قلب الضِيق بإرادة تقبض على الإصرار بكفين استمدا لونيهما من شغف التعلق بحلو التجربة.

كما أن الضبابية المتكدسة في مقدمة المكان جراء اقتراب الكتلة الكبيرة من المشاهد، لم تحجب سعة المدى لأدق التفاصيل التي تشغل الفراغ المفتوح على شفق تتدلى منه خيوط، ظلت على نحالتها المتمايلة تنذر بالثبات واللاسقوط.

بين كل تلك التجاويف التي هندستها مطاردات الريشة للون في دهاليز المخيلة المسكونة بمكونات البيئة؛ التي لا زال يغور فيها حبل سرة الفنان شوقي دلال ألف صدى لمطرقة تعالى صوتها فوق معدن منحته هجرة إلى أبعد من الإهمال والصدأ..

كل ذلك التكوين جعل النار في عملك هذا الحاضر الأول والأزلي الأجدر باحتلال مخيلتي عبر تحولات لونية من أقصى يمين اللوحة إلى أقصى يسارها، ومن أدنى أسفلها إلى أعلى ارتفاعها، تشتعل في صمتي ومشاهدتي عجزاً عن تجاوز هذا العمل دون الحوار معه، وتذوقه الذي ألهبني.

*عمر سعيد (باحث وناقد واستاذ جامعي)

(اللوحة المُرفقة بريشة دلال من مشغل المدفأة التراثية في راشيا)

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق