صبري يوسف ـ ستوكهولم
افتتح مدير متحف نوبل السَّيد أولوف اميلين في غاليري هوسبي للفنون في ستوكهولم، معرض "الخالدون عبر التّاريخ"، الّذي أقامته جمعيّة الفنَّانين التَّشكيليين العراقيين في السّويد، في تمام السَّاعة الثَّانية والنّصف من عصر يوم السّبت المصادف 26. 9. 2015، وسط جمهور غفير من الجّالية الشَّرقيّة العراقيّة والسُّوريّة والسُّويديّة وبعض الجَّاليات المهاجرة، وأغلبهم من الوسط الفنّي التّشكيلي والثَّقافي والمهتمّين بشؤون الفنون والثَّقافة والإبداع!
وقد قدَّمَ معدُّ المعرض الفنَّانة التَّشكيليّة شيرشتين فيكستروم المعروفة باسم "بيغليت" رئيسة غاليري هوسبي للفنون وأستاذة فن السِّيراميك، فألقت كلمة قصيرة أشادت بفكرة المعرض الفريدة وشكرت الفنَّانين المشاركين والمشاركات، ثمَّ قدّم معدُّ المعرض رئيس جمعيّة الفنَّانين التَّشكيليين في السُّويد الفنَّان حسين القاضي، فألقى بدروه كلمة مقتضبة شكر عبرها صاحب فكرة مشروع المعرض وشكر الفنّانين وتمنَّى للجميع المزيد من العطاء في مجال الفنِّ والإبداع، ثمَّ قرأ الفنّان مدير المعرض أسماء الفنّانين تباعاً كي يزيح كل فنّان وفنّانة السِّتارة عن لوحاته وسط جمهور بديع فجاء الافتتاح بهيجاً، تخلَّله الكثير من الأسئلة والحوارات والتَّصوير لوقائع افتتاح المعرض وتصوير الجّمهور والفنّانين والفنّانات خلال مشاهدة اللّوحات.
أعدَّ وأشرف على هذا المعرض الكبير الفنّان التَّشكيلي العراقي شاكر بدر عطيّة، المعروف في الوسط الفنِّي في السُّويد بنشاطاته المتعدّدة في الإعداد والإشراف على المعارض الّتي قدّمها على مدى أكثر من عقدين من الزَّمن، مع نخبة من الفنَّانين على أرض مملكة السُّويد في ستوكهولم، وهذا المعرض يعتبر من المعارض الهامّة، نظراً لأنّه يتناول موضوع خلّاق حيث يطرح فكرة الوقوف عند المبدعين الخالدين وتكريمهم من خلال رسم صورهم بأسلوب فنّي والوقوف بعمق فنِّي عند مخترعاتهم وإبداعاتهم واستلهام لوحات بأسلوب فنِّي جديد كما يراه الفنّان والفنّانة المشاركة، وقد استغرق الإعداد ورسم الأعمال أكثر من سنتين، لكن فكرة المعرض كانت تراود معدّ المعرض منذ قرابة 10 سنوات، وقد لاقى المعرض صدى طيّباً لدى الحضور المتميّز، مع غياب تام لكافة وسائل الإعلام العراقيّة والسُّويديّة والإعلام والصَّحافة السُّويديّة أيضاً! وقد جاء في "بريشير" المعرض الكلمة التّالية الّتي دوّنها مُعدُّ ومدير المعرض:
"الخالدون عبر التَّاريخ ـ مشروع فنّي ضمن سياقات الشَّكل واللَّون والأثر والكتلة والفكر، يعكس أهمِّيّة ودور أهم العلماء والفلاسفة والمبدعين والمكتشفين في التَّاريخ لما قدَّموه من إبداع لأجل تقدُّم البشريّة.
تضمّن المشروع اختيار 28 شخصيّة خالدة، وقد تناول تجسيد واستلهام هذه الشّخصيات من قبل 21 فنّان وفنّانة من أعضاء جمعيّة الفنّانين التّشكيليين العراقيين في السُّويد، وبعض الفنّانين الضُّيوف، كلّ منهم درس الشَّخصيّة الخالدة وعكس رؤياه من خلال عملَين أو أكثر لتجسيد الشَّخصيّة ضمن فضاءات الرَّسم والتَّلوين التّشخيصي والرّسالة العلميّة الإبداعيّة الّتي قدَّمها الخالد للبشريّة.
إنَّ الهدف المتوخَّى من المشروع هو العمل الجّماعي ضمن ثيمة مشتركة لتطوير الإمكانيات والكشف عن الطَّاقة الكامنة لدى الفنّان ضمن سياقات الشّكل واللّون والكتّلة والفكر الفلسفي، لإقامة معرض في ستوكهولم (هوسبي كونست هال) وفي مدن أخرى في السّويد ودول أخرى لتقديم رسالة إلى الجُّمهور بأنَّ الفنّ الهادف هدفه المجتمع والبحث في الإرث الإنساني للتذكير والعمل، وأنَّ هناك قيم لابدَّ أن نستقي ونستلهم منها رؤية جديدة حتّى تساعد في الإيقاظ من أجل صناعة وثيقة وآليّة إنسانيّة تسعى نحو السّلام وتنبذ الحروب والتَّعصب وتتطلّع إلى الحفاظ على الإنسان والبيئة عبر الفنّ ودوره الهام في المجتمع.".
تضمّن المعرض 56 لوحة تشكيليّة رسمها الفنَّانون بأساليب مختلفة ومتميّزة وبخصوصيّة كلّ فنّان وفنّانة، وبأحجام تتفاوت ما بين 60×80 سم و90×105 سم بالأكريل على قماش، ومن بين هذه الأعمال هناك عملين بالغرافيك على ورق، وعملين بالمعدن كتماثيل من خيوط المعدن بسماكة قرابة 2 مم، وعمل بالنّحت بأسلوب الرّيليف على خشب، وقد شارك في المعرض كل من الفنّانين والفنّانات التّالية:
الفنّان التَّشكيلي حسين كاظم القاضي شارك في ثلاث لوحات فقد استلهم لوحة من اكتشاف الفريد نوبل للديناميت وجسّدها بطريقة مربّعات يبيّن تأثير الدّيناميت على الإنسان وتناول في لوحته الثَّانية والثَّالثة موضوع التّقويم عند الفراعنة، مصر القديمة، الفنّان التَّشكيلي شاكر بدر عطيّة، رسم بورتريه البيرت إينشتاين، صاحب نظريّة النّسبيّة، عالم الفيزياء الشَّهير، كما رسم لوحتَين استوحاهما من عوالم وفضاءات بيكاسو ورسم في لوحته الرّابعة بورتريه بيكاسو بطريقة تنمُّ عن عبقريّة هذا الفنّان.
الفنّان التَّشكيلي وسام النّاشي، رسمَ أربعُ لوحات، استلهم من الكساندر فليمينغ مخترع البنسلين لوحتَين، بورتريه لفليمينغ بطريقة معبّرة كما استوحى لوحة أخرى من عوالم هذا المخترع الكبير، ورسم لوحتَين بورتيه ليوهان غوتنبيرغ مخترع الطّابعة بطريقة مرهفة تعكس آفاق المخترع عبر لوحاته، ورسم الفنَّان التَّشكيلي رائد حطّاب لوحتَين بورتريه مستوحيتَين من عالم الفيزياء ستيفن هوكينغ الشَّهير، كما رسم لوحتَين أخريين مستوحيتَين من عالم الاتصالات غوغليمو ماركوني إحداهما بورتريه والأخرى تعكس فكرة الإتصالات بطريقة معبّرة. ورسم الفنّان التَّشكيلي عبدالأمير حبيب حربي لوحتَين مستوحيتَين من العالم الحسن بن الهيثم، لوحة بورتريه والأخرى تعكس فضاءات هذا العالم في العلوم البصرية، كما رسم بورتريه للعالم ويليم رونتكن مخترع أشعة اكس وبورتريه لهذا العالم الكبير. ورسم الفنّان التَّشكيلي خالد محمّد ستّار لوحتّين مستوحيتَين من العالم جيمس وات مخترع المحرّك والإضاءة، الأولى بورتريه للمخترع، ولوحة أخرى تعبّر عن اختراعات هذا العالم. ورسمت الفنَّانة التَّشكيليّة فاتن أحمد لوحتَين بورتريه للعالمة ماري كوري مكتشفة الرَّاديوم. ورسمت الفنَّانة التَّشكيليّة سميرة إيليّا لوحتّين مستوحيتَين من عوالم العالم لويس باستور مكتشف الجَّراثيم ومكافحتها، إحداهما بورتريه والأخرى تعبِّر برهافة عن عوالم إكتشافه. ورسم الفنّان التَّشكيلي يوسف عكّار لوحة بورتريه لمخترع التّعقيم جوزيف ليستر ولوحة أخرى تعبِّر عن الإختراع! ورسم الفنَّان التَّشكيلي عباس العبَّاس لوحتَين مستوحيتَين من مخترع الورق الصّيني تسي اي لوين، اللَّوحة الأولى بورتريه للمخترع والثَّانية تعبِّر عن فضاءات هذا الإختراع الهام. ورسم الفنّان التَّشكيلي مؤيِّد ابراهيم سام لوحتَين مستوحيتَين من فضاءات عالم الفيزياء الشَّهير اسحق نيوتن، فرسم بورتريه لهذا العالم ولوحة أخرى تعبِّر عن عوالم الفيزياء. ورسمت الفنّانة التَّشكيلية آشنا أحمد لوحتَين مستوحيتَين من مخترع الكهرباء العالم توماس اديسون، اللّوحة الأولى بورتريه هذا العالم والثّانية منمنمات دقيقة ورهيفة تعبّر عن اختراع الكهرباء. ورسم الفنَّان التَّشكيلي د. عماد زبير لوحتَين تعبّران تعبيراً بديعاً عن الحروف المسماريّة وفي إحدى اللّوحات أدخل الحروف العربيّة بتناغماتها البديعة فجاءت اللّوحة معبّرة أجمل تعبير وكأنّه يقول للمشاهد أنَّ اللّغات تتعانق وتتواصل مع بعضها عبر التّاريخ الإنساني. ورسم الفنّان التّشكيلي كبرئيل ابراهيم المعروف باسم كابي سارة لوحتَين مستوحيتَين من فضاءات فلسفة أرسطو العميقة، حيث رسم بورتريه الأولى والثّانية بطريقته الخاصّة كما يرى أرسطو الفيلسوف من منظوره الفنِّي. ورسم الفنّان التَّشكيلي يعقوب جوخدار أربع لوحات، لوحة بورتريه تتضمّن الأخوين رايت، عالمان في الطّيران (أورفيلّه رايت، وويلبور رايت)، ورسم لوحة أخرى مستوحاة من عوالمهما فيها نحت بطريقة الرِّيليف فجاءت منسجمة مع خلفيّة زرقاء غامقة، كما رسم بورتريه اكنيسي لوكاسويس مكتشف النّفط واستوحى اللَّوحة الرَّابعة من عوالم مكتشف النَّفط فجاءت معبّرة بترميزات عميقة. ورسم الفنّان التَّشكيلي محود غلام لوحتَين مستوحيتَين من العالم غاليليو غاليليه مكتشف كرويّة الأرض، فرسم لوحة تعبِّر عن اكتشافات غاليليه والثّانية بورتريه لهذا العالم الكبير، وجاءت ألوانه منسجمة ورهيفة. ورسمت الفنّانة التَّشكيليّة سميّة ماضي أربع لوحات، بورتريه لوالت ديزني مصمِّم برامج أعلام حول الأطفال، ولوحة أخرى تعبّر عن هذه العوالم الطُّفوليّة البديعة، ورسمت لوحتَين أخريين بأسلوب الغرافيك إحداهما بورتريه لويس مخترع الصُّورة/ الكاميرة، والثَّانية مستوحاة من هذا العالم وجاءت اللَّوحتَين بانسجام ودقّة شفيفة بالأسود والأبيض. واشتغل الفنّان النحّات لؤي كاظم عملَين من المعدن مستخدماً خيوك المعدن بسماكة تقريباً 2 مم غلظ المعدن وشكّل تشكيلَين مستوحياً تشكيلات عمله من فضاءات ليوناردو دافنشي.
ورسم الفنّان التَّشكيلي ياسين عزيز أربع لوحات، بورتريه للموسيقار العالمي بيتهوفن ولوحة أخرى مستوحاة من عوالم هذا العبقري، كما رسم بورتريه للعالم تيودور مايمان مخترع أشعة ليزر واستوحى لوحة أخرى من فضاءات اختراع هذا العالم، ورسم حسين الموسوي بورتريه بديعة لمخترع الدِّيناميت الفريد نوبل والَّذي عرف اسمه بجائزة نوبل العالميّة، فقد رسم الفنَّان هذه البورتريه بتقنيات فريدة من نوعها حيث استخدم اللَّون الطَّبيعي باستخدام حجر الكهرمان/ العنبر وتراب الحجر الطَّبيعي الكهرمان وفتّت هذه المواد بألوانها الطّبيعية ثمَّ استخدمها بمهارات فائقة فجاءت اللّوحة بألوانها الطّبيعيّة بتقنيات في غاية الجّمال!
وأقفل هذا المشروع الفنِّي الرّائد الفنَّان التّشكيلي ساموايس بتجسيد شخصيّة الفنّان العالمي شارلي شابلن فقد رسم لوحتَين بورتريه لهذا الفنّان البديع، ففي اللّوحة الأولى يحمل شارلي شابلن الكرة الأرضيّة وفي الثّانية بزيّه المعهود وقبّعته وعصاه وجاءت اللّوحتان بالأسود والأبيض بانسجامٍ كبير، تعكس بدقّة رهيفة الفترة الَّتي برزت فيها الشَّاشة الكبيرة والصَّغيرة بالأبيض والأسود!
استمتعُت بحضور هذا المعرض "الَّذي يستمرَّ حتّى غاية 25 تشرين الأوَّل (أكتوبر) 2015" كما استمتعتُ بمشاهدة اللَّوحات البديعة، وصوّرتُ أكثر من 300 لقطة لوقائع افتتاح المعرض، واشتغلت على إعداد هذا الملفّ الخاص عن المعرض لما لهذا المشروع الفنّي من أهميّة في التّلاقح الحضاري والتّواصل الفنّي والإنساني الخلّاق مع ثقافات وإبداع العالم، لخلق جسر ثقافي إبداعي ما بين الشَّرق والغرب لتقديم رسالة إبداعيّة عميقة، لكلِّ من يسعى نحو تعميق أواصر الفكر الإنساني والإبداعي العالمي وترسيخ دعائم الحوار الفكري والثَّقافي لتحقيق دعائم السَّلام والوئام بين شعوب الأرض عبر الكلمة واللَّون والفكر الخلّاق الّذي يخدم البشريّة على مرِّ العصور كلّ العصور!
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
0 comments:
إرسال تعليق