ستمضي إلى بلادٍ ليس فيها غمامة
والتي غادرتَها سحابةُ صيف.
(دخان)
لم تقلْ كلمةً بعد
ليست لكَ خطوة
لا غيمة تظلّلُك
لا يتبعُك غزال، لاحظْ
كلُّ الأسماء التي تعرفها
تلمع وتختفي
تظلّ وحدكَ في الليل
تراقب أسماء تهوي
إلى غبارِها الكوني
لاحظْ
كلّ عمرك سيجارة
أدقّ مِنْ إبرة
يحرقها عابر.
(مدنٌ)
سأعبّئ في عينَيّ مدناً
تنهضُ مِنْ حرائقِها وتصهل
سأصافح الذين هزمتُهم
والذين هزموني
والذين سيضحكون
مِنْ كلّ حانة سأقطف صخباً
ضحكةً، وردةً، كأساً صغيرة
وغيركِ سأعانق في الليل
مرتعِشاً لاكتشافات المرتحل
في المدنِ الحقيقيّة.
(غبار)
كلّما فتحتُ عينيّ
اصطفّوا أكثر مِنْ عشرة حولي
يشبهونني جميعاً لكنّهم أكثر نحولاً
إسمك؟ "شوقي". إسمك؟ "شوقي"
في هذه الغرفة الدوّارة
أجلسُ في الوسط
تحاصرُني عيونٌ كثيرة
ووجوه صارمة
لستُ لصّاً
لستم قطّاع طرق
أملكُ وحدتي وحصاركم
هذا الفراغ في يدي
مشيتُ كلّ الطريق
أحملُ ذكريات على عجل
لم ألتفت إلى الوراء، لم أبكِ
فقط تباطأَ قلبي
وجوهُكم ميّتة
صفائحُ رصاص
سنواتُ غبار.
(موتى)
هكذا
على كرسيِّ الإنتظار
لا أفارق كرسيَّ
وفي الجهةِ المقابلةِ رأسي
وجهي، أنفي، ساقاي الطويلتان
ساعة
ومشيت
أيضاً
على كرسيِّ الإنتظار
في الجهةِ المقابلةِ رؤوسٌ
عيونٌ، دوائر
موتى
عينان مغمضتان
كرسيّ، وريح تصفق الأبواب.
(مجنون)
يمسّدُ الغريبُ شعرَ الوحدة
يظنُّ أنّ الله قريب
فيقصّ القصص
يظنُّه العابرون مجنوناً
فيصمت.
(حين استفاقوا)
ماذا يفعل رجل ركضَ ولم يصل؟
حملَ قلبَه على راحتيه، وضعَه على الطاولةِ
لأوّلِ جائع، لأوّلِ لصّ، بوهيمي، عابرِ سبيل
وزّعَ رمّانةَ رأسِه، اعطى العشّاقَ 1995 حبّة
أسبلَ جسدَه كي يتّكئوا، مالَ معهم إلى البحر
أصعدَهم رأسَ الجبل، وحين استفاقوا
أسقطوا حجارةَ أيديهم على رأسِه.
ـ
(دوائر)
رجلٌ
إذا غفا.. صحا
في رأسِه الصدى دوائر
وله أطفال يريدون الخروج
رجلٌ خليقٌ بالماءِ
وتشربُه السماءُ حتى التصحّر
رجل.. يصير رج ل اً ...
وتذرّيه الريحُ.
(صراخ)
أفضّل لو تصرخ
لكنّكَ حتى في جحيمِك
مهذّب جدّاً.
(مقبرة)
صمتٌ
يرعى حشيشَ الخرافة
بومٌ على صخرةٍ يحدّق بالعابرين
مَنْ يمرّ.. يشبهنا.
(ليلٌ)
مِنْ كلِّ عمرِكَ
زيحٌ على الماء
مِنْ كلِّ عينيك
دخان
ليلٌ صامتٌ
كأنَّ جميع الموتى عادتُه.
(جراد)
يحدّق بعينيه جرادٌ
يوشك أن يبتلع آخر الجزر
جرادٌ زاحف
إلى الواحتين الأخيرتين
دمُه تبعثره الجدران
سماؤه رماد.
(روبوت)
قال: "سأرحل"
مشى في كلِّ الجهات دفعةً واحدة
على الطريقِ وقعتْ روحُه، وقعتْ ذاكرتُه
وقعتْ فكُّه السفلى، لسانُه، قدماه، يداه
قلبُه، أمعاؤه.. واختفى.
(الأكثر)
السكران
أكثر توازناً، أكثر اتّزاناً
أكثر شفافيّة
في العالمِ السكران.
(لا يلتفت)
خلفَ دخان السيجارة تراقب عمرَك
مقعداً لا ينقد الطيرُ عنه خبزاً
ومارّاً لا يلتفت.
(بحيرات الرمل)
كيف يجمع أطرافَه
يدٌ في جزيرةِ الأحلام
وساقٌ في بحيرات الرمل
كيف يجمع عينيه
كيف يجعل قلبَه في موضعه
الرغبةُ
قلقُ النار
ورغبتُه! دخان.
(أحدٌ يشبهك)
أنتَ
الكستنائيّ الوجه
في وجومِك حجر
هل أضعتَ شيئاً مِنْ وجهِك الصغير
ما يشبه البسمة؟
أنفكَ يكاد يقع
تحدّق كأنّك تصغي
لديّ معزوفات لحالات تحدّق بالجدران
أعطني مِنْ عينيك
ستنعقد قنطرةُ حاجبيك
إذا تحوّلتَ ذئباً يتغيّر موضع أذنيك
هل أنتَ مجنون؟!
بالتأكيد أضعتَ شيئاً
يشبه القمر هلالاً
يكبر كلّ ليلة
كالطفلِ، كالرعاةِ
كالبدوِّ الرحّل.
(حجر)
كيف صار كلُّ شيء
في عينيك
حجراً.
(غائبون)
يُعدِّد أسماء تتلاشى
لأمكنةٍ وأصدقاء
ضحكوا للزبدِ حتى
راودتْهم الريحُ.
(متفائل)
تقدّمَ خطوتين
محاولاً أن يفتحَ ثقباً
في جدارِ العمر
رفعَ رأسَه
وابتسم.
(غرباء)
مشوا إلى المدينة
مِنَ الجبالِ البعيدة
حفاةً خلف جنازة صامتين
كانت أقدامُهم تبعثرُها الرياحُ
وحقولُهم تختفي خلفَ عيون ماطرة.
(سياط)
الضحكاتُ توارت خلف مساءات
تعشِّش في القلب، على رؤوسِ الشجر، فوق السطوح
ماءُ الحياة في سماوات رحيمة لأناس آخرين
على الإسفلت فراشاتٌ دامعات
في خاطرِها عمْرٌ لن يأتي
وهمْسٌ لن يكتمل.
(حصاد)
العربةُ الواقفةُ حياتُكم
وأنتم بالكاد تدفعون أعمارَكم
بيادرُكم، نوارجُكم
رياح.
(عشبة أخرى)
أفيونُهم عشبةُ البرزخ الآخَر
قطرةً قطرةً يشربون أوهامَهم
مخمورين باليقظةِ
والبرقُ في أيديهم رماد.
(أصوات)
أصوات سابحة في فضاء
مراكب محطّمة
عِظام على الضفاف
ندفنُها وحيدين
بصمت.
(نابٌ)
لا يخدشُ السكينةَ
نابٌ في الوريد.
(رحيل)
المدينةُ التي آوتنا
نحن مَنْ نزفتْهم الجبال
رسمنا على شواطئها أحلاماً فضيّةً ونمنا
لم نكن ندري أنّ السفينةَ
التي لوّحنا لها
نقلتْنا.
(جماعة)
لم أعرف إسمكَ بعد
كان إسمُكَ شوقي
صار إسمُك "جيم"
لكنّك بالتأكيد لستَ "جيم"
أنتَ جماعة.. هو وَحده
ينام.. وتحلمون.
("بيل" على الرصيف المقابل)
بيل.. إنّكَ تفرم الكلمات كالخسّ
أتمنّى لو تغور تحت سابع أرض
مع جميع أسئلتكَ وثرثراتك
أحياناً أريدُكَ كظلّي
وأن تقول أي شيء مهما كان تافهاً
أفكِّرُ فيك الآن
هل أناديك مِنَ الرصيفِ المقابل
أم أنساكَ تماماً؟
رأسي محشوٌّ بالفراغ
والبردُ يتسلّل إلى عظامي.
(هات الزجاجة)
"سام".. صديقي السلحفاة
تأخّرتَ عشرين قطاراً وطائرتين
رأسي منشرةُ خشب ومحرّكات
أعطني الزجاجةَ بسرعة.
(عبدالله)
كيف أخذتْكَ الجهات
كيف لم تلتفتْ
لم ترفعْ يداً، لم تكسرْ غصناً
كيف أسلمتَ عينيك للريح؟
كان موعدُنا
على الشاطئ المرجاني.
(أملٌ)
سافرْ.. في دخانِ سجائرِكَ كالسكران
لقلبِكَ المكسور بين الخرائب زهرة
سافرْ.. في ضبابِ عينيك كالتائه
لأوردتِك التي ملأتَها غناءً
عن الأرضِ
سواحل.
(كونين)
1 _
تقف على علوّ 800 متر
ليلمحَها أحد
وقرى تصعدُ إلى أعلى.
2 _
وحيدة مع الليلِ والعاصفة
يدُكِ فرغتْ حتى مِنَ الهواء.
3 ـ
نامي يا زهرة
دمُكِ على العتبات
الجوعى شاخصون إلى القمح
العراة في البرد
السماء فضاء
أقول نامي كالموتى.
(الغائبة)
أرسمُها دامعة تُضِلُّها الطريق
حافية يتبعُها الحصى.
(بيروت)
في بلادٍ بعيدة
تهبُّ نسائم تسخّنها الشمس
تأزّ الذكرى في رأسي
وتسقط مِنْ غيمة
نقطتان.
(ماذا تريد)
محمولاً على إيقاعِ الركض
أو متكوِّماً في الفراغ
حين تلهبكَ الحمّى
أو تنشئكَ الزاوية
المسافةُ بين اليدِ واليد إنحناءةُ الدائرة
بين العين والعين، بين الفمّ والفمّ
ماذا تريد مِنْ حنطةِ الوجه
مِنْ فحمِ الرأس
مِنْ لغتِك المتآكلة
ومِنْ حياتِك؟
أن تقشط جلدَك؟!
أن تغبِّر الهواءَ؟!
في عينِ الموت: حيّ
في عينِ الماء: ميْت
ماذا تريد؟.
(زاوية)
لستُ أنا لأجمعَ الغيم في يدي
وأنثرَه فوق بلادٍ حزينة
لأصنعَ الفجرَ مِنْ دمي
مِنْ هديرِ البحرِ تائقاً إلى خلاصه
لستُ أنا ليطرحني العشقُ على بساطِ المدى
فتحْتُ للنهرِ بابَ حياتِه
أرويتُ الطيرَ، أرعيتُ الغزالَ
أشممتُ الريحَ عبقَ الزهور
فتحتُ المدينةَ للحفاة
وتلفُّني الزاوية.
(قالوا)
يبسَ العشبُ على أرواحِ أطفالكم.. قالوا
وماتَ الطيرُ في أقفاصِ عيونِهم
طفلٌ يدُه ريشة ترسمُ طيراً في الفضاء.
(عراة)
كانوا عراةً في جبالٍ عارية
نصبوا أيديهم سندياناً وظهورَهم صخوراً
ملأوا الطرقات ضجيجاً
رفعوا أعلامَهم
جعلوا دمَهم منارةً للنورس
وكانوا، إذا تقدّموا، شربوا مِنْ ماءِ المطر
وعجنوا مِنْ زهرِ الحقول.
(نافذة على البحر)
النهرُ يغمرني وأنا ثمرةُ الأرضِ العاشقة
تكتبُ الرياحُ على وجهي أنغامَها
والمدى تشيّعُه نظراتي
تدورُ الأرضُ ليدي التي تمسك الفصولَ
مبتهجةً بالريحِ والمطرِ والزهرِ والحقول
وبيدي أرفعُ النجوم
أطلقُها في السماوات لأحتفلَ بالمسافة
مرّة.. كنتُ الغابةَ مبتدئاً بالغصون
سيّداً في مملكةِ النبات
أحملُ رؤوسَ الشجرِ إلى أعلى
وأنامُ كالطير محروساً بالنسائم
مرّة.. كنتُ المغاور والصخور والوديان
مسبوقاً بحذرِي في مملكةِ الحيوان
وبناري التي أشعلتُها بحجر لأغيّر صوتي
ومرّة.. كنتُ الحقولَ في سهولِ العالم
المتفتّحِ بأصابعي الرشيقةِ وظهري المستقيم
تجلدُني السياطُ.. وأطعِمُها خبزاً
لتسمنَ وأنحل وأنتقم
الآن.. أُكملُ دورةَ عمري
يُصدِّعُني الحديدُ بعجلاتِه
يملؤني النفطُ لأتخثّرَ بالكربون
يجتاحُني الوحلُ لينامَ في دمي الرصاص
ليشدَّني الحجرُ
أُكمِلُ دورةَ عمري
لأفتحَ نافذةً على البحرِ
وأسابقَ الريح.
_ صدرت هذه المجموعة في سنة 1995.
Shawki1@optusnet.com.au
0 comments:
إرسال تعليق