صدر للأديب التَّشكيلي السُوري صبري يوسف عن طريق دار نشره في ستوكهولم 2015 ديوانٌ جديد بعنوان: "لوحات طافحة نحو رحابِ الطُّفولة"، يتضمَّن نصّاً شعريّاً مفتوحاً، الجّزء الحادي عشر، استكمالاً لأنشودة الحياة الّتي أصدر المجلَّد الأوّل منها (عشرة أجزاء) بعد أن تمَّ ترجمتها ونشرها من قبل دار صافي للترجمة والنَّشر والتَّوزيع في واشنطن، وقد جاء في مقدّمة الدِّيوان الجّديد ما يلي:
مقدّمة
التَّشكيلي صدرالدِّين أمين
فنّان بدائي ساحر مضمّخ بأريج الطُّفولة
صبري يوسف ـ ستوكهولم
الفنَّان البديع صدرالدِّين أمين، فنّان بدائي ساحر في بناء لوحاته، يعتمد على خياله الخلّاق وأحلامه الجَّامحة لمعانقة براءة الطُّفولة، يبحث عن إنسانيّة الإنسان، بعد أن وجد إنسان هذا الزَّمان غائصاً في افتراس أخيه الإنسان، فلم يجدْ أجدى وأبهى من أن يبني لنفسه عالماً فنّيَّاً راقياً، مركِّزاً على الجَّمال والفرحِ والأحلام المدهشة من خلالِ عبورِهِ في عوالم الطُّيور والنَّباتات والأيقونات والرُّموز والمخلوقات الأسطوريّة الخياليّة الحلميّة الحقيقيّة، يرسمها من خلال تأمُّلاته وروحانيَّته الصُّوفيّة الشّفيفة، بأسلوب تعبيري، تجريدي ورمزي خلَّاق، وبعفويّة مدروسة وعميقة ومعقلنة رغم تدفُّقاته العفويّة الباذخة، مستعيداً عالماً جديداً موائماً لعوالم الطُّفولة بكلِّ براءتها، واقفاً في وجه قباحات هذا الزَّمان، شاهراً حبّه وفرحه وجماله في أرجاء المعمورة، لعلَّه يحقِّق فرحاً ومتعةً لمشاهديهِ في كلِّ مكان.
صدرالدِّين أمين فنّان تشكيلي مضمَّخ بأريج الطُّفولة والنّعناع البرّي، يرسم لوحته من وحي روحه ومشاعره الشَّفيفة المتعانقة مع الكائنات البرّيّة والأهليّة، يلتقطُ ألوان وتشكيلات لوحاته من شهقة جفول الغزال، من تغريد البلابل، من انبعاثاتِ بزوغ الشَّمس، من بسمة الأزاهير، من أنغامِ أحلام الطُّفولة، من حنين عاشقة لمهجة اللَّيل الحنون، من مداعبات القنافذ لدبيب الأرضِ، من النَّباتات البرّيّة، من بهاء الجِّبال المسترخية فوق منعرجات الذَّاكرة، من مخلوقات أسطوريّة خياليّة واقعيّة، من ذهن متوقّد ورؤية خلّاقة، فتأتي لوحاته مبرعمة بكلِّ طيوب الحياة، ويبني أهليليجيَّات موشور ألوانه من عوالمه الفسيحة، فارشاً فوق حبقها روحه الجَّانحة نحو صفاءِ الطُّفولة بكلِّ ما تحمل من دهشةٍ وانبهار!
أدهشني كلّ هذا الجَّمال الَّذي أبدعه الفنّان صدرالدِّين أمين، فما وجدت نفسي إلا وأنا أتوغَّل بحميميّة دافئة في أعماق عوالمه المعرَّشة ببهجةِ الإبداع، فأحببتُ أن أنبشَ ما في عوالمهِ من دُرَرٍ فنّيّة ثمينة، لأقدِّمها للمتابع العزيز على طبقٍ من فرح، من خلال توغّلي في عوالم وفضاءات لوحاته ومناجاة مشاعره وروحه الفيَّاضة بولعِ الإبداع، لأستلهم من لوحاته الطَّافحة نحو رحاب الطّفولة هذا النّص الشِّعري المفتوح على بهاء الرُّوح، كي أضمَّ هذه النُّصوص إلى أنشودة الحياة الَّتي أشتغل على رحاب فضاءاتها منذ عقودٍ، لأستكملَ رحلة العبور في بهاء القصيدة هذه المرّة عبر تجلّيات لوحات فنّان مبدع، والّتي أراها بمثابة قصائد شعر عبر اللّون، لنستكملَ معاً معادلة العطاء عبر جمال اللّون والكلمة، لأنّني كما أشرت مراراً أنَّ: "الرَّسم والشّعر وجهان لعشقٍ واحد هو الإبداع".
أشعر بفرحٍ عميق، عميق جدَّاً لأنّني تمكنّت أن ألتقط وأستوحي هذه النُّصوص من عوالم وبهاء روحانيّة الفنّان المبدع صدر الدِّين أمين، وأشعر في قرارة نفسي أنّني حقَّقت رغبة عميقة في داخلي، وربّما هي في داخل الكثير من مشاهدي ومشاهِدات لوحات هذا الفنّان الّذي يبدع كما عهدناه الجّمال الخلَّاق بأشهى وأبهى صوره لهذا العالم الّذي يفتقر لهذا الجّموح الفنّي الجّميل!
تحيّة من القلب للصديق الفنّان التَّشكيلي البديع صدر الدِّين أمين.
تحيّة لكلِّ مَنْ يرفع لواء السَّلام والمحبّة والفرح والخير والجَّمال والإبداع الخلّاق في العالم، ويسعى إلى تحقيق السَّلام والوئام بين البشر كلّ البشر في كلِّ بقاعِ الدّنيا!
ومن أجواء الدِّيوان نقتطف المقاطع التَّالية:
"أنشودة الحياة
نصّ مفتوح
الجّزء الحادي عشر
أرقصُ فرحاً من بهجةِ انتعاشِ الرُّوح
أعبرُ ربوعَ غابةٍ حلميّة متناغمة
معَ همهماتِ كائناتٍ مبهرة
في أوجِ حبورِها
تعانقني أغصانُ الجّمالِ
قلبي رحلةُ فرحٍ نحوَ فراديسِ القصيدة
روحي مسربلة بأهازيجِ الإبتهال!
تتناهى إلى مسامعي
تغاريدُ طيورٍ خرافيّة
كأنّها منبعثة من أزمنة غابرة
قبلَ أن يولدَ هذا الزّمان
فنّانٌ مجنّحٌ نحو أشهى تجلِّياتِ الخيال!
تلهو الطُّيورُ معَ كائناتٍ متماهية
معَ آفاقٍ أسطوريّة
مموسقة بإيقاعٍ خلَّاب
توحي لنا بقصصٍ وحكاياتٍ منسوجة
من شهقةِ انبهارِ تدفُّقاتِ الجّمال!
بهاءٌ موشوم على رحابةِ حُلمٍ متراقصٍ
بإنسجامٍ مدهشٍ على رحابِ بوحِ القصيدِ
حالةُ انبهارٍ لا تفارقُ بصيرةَ الرُّوحِ
اِنغماسٌ عميق معَ بحبوحةِ الألوانِ
يعانقُ بهاءُ الكائنات يراعَ البوحِ
فرحٌ في وهادِ الخيالِ ينمو
أهفو إلى الإصغاءِ إلى هسيسِ دبيبِ اللِّيلِ
أنقشُ حرفي فوقَ جفونِ السّماءِ
شهقةُ اِندهاشٍ لمتاهاتِ البراري
عبورٌ في لجينِ الضّياءِ
وحدَها القصيدة تناغي بهاءَ الفراشاتِ
ينقشُ الفنَّانُ خميرةَ عشقٍ
فوقَ ضفائرِ الحنينِ
كائناته متلألئةٌ بخيوطٍ مذهّبةٍ من الماءِ الزُّلال
كأنّها منبعثةٌ من نضارةِ سديمِ الصَّباح
من أحلامٍ مخضَّلةٍ بمناغاةِ الطّفولة
ممهورةٌ بانسيابِ وميضِ القصيدة
محبوكةٌ على إيقاعِ دفءِ المحبّة
0 comments:
إرسال تعليق