صورة مركبة للشابة الراحلة يارا كوثراني والهرّ Moustache
المصدر: "النهار"
أسرار شبارو
قبل سبع سنوات دخل الى منزلها، اعتادت عليه حتى أصبح جزءًا من حياتها، لا بل أحد أولوياتها حتى باتت تفتقده كلما غاب، وتبحث عنه في كل مكان حتى تجده، عند دخولها الى البيت تسأل عنه قبل أي شيء، ولا تنام قبل أن تطمئن عليه. من دون ان تتوقع أنه سيكون يوماً سبباً في وفاتها قبل أن تكمل أحلامها... إنها يارا كوثراني التي أحبّت هرّها كثيراً وخافت عليه فأودى بها الى الهاوية في الوقت الذي كانت تحاول انقاذه.
صباح الثلاثاء الماضي انتظر الهرّ Moustache نوم الجميع عدا يارا، تسلّق جدار الشرفة، حاولت انزاله، فوقعت الكارثة. وقال والدها أحمد لـ"النهار" :"عند الساعة السابعة صباحاً طرقت عاملة المنزل باب غرفة نومي، لتخبرني بوجود فتاة غارقة بدمائها اسفل الشرفة". أسرع كوثراني الى الخارج ليكتشف ان الفتاة هي ابنته، وقال "حصلت الحادثة قبل نصف ساعة من اكتشاف العاملة لها، كانت يارا تحاول الامساك بالهر، وقفت على حافة الشرفة في الطبقة الأولى من منزلنا في دوحة الحص، فأمسكت بالمكيف الهوائي لكنه لم يصمد فهوت، المكان ليس مرتفعًا كثيراً لكن وجود الصخور هو الذي أدى الى الوفاة".
توقيت قاتل
الضربة أتت على رأس يارا (23 عاماً) من جهة الخلف، فتوفيت دماغياً على الفور، لكن الروح فارقت جسدها عند الساعة الثانية والنصف ظهراً، توقيت وفاتها كان قاتلاً، إذ دفنت يوم تخرّجها من الجامعة اليسوعية بعد سنوات قضتها في اختصاص الـOrthopedagogie . بحسرة يقول أحمد: " أمس غطى التراب جسد يارا في بلدتها الجنوبية أنصار، اصدقاؤها تخرجوا من الجامعة وابنتي خرجت من الحياة بسبب هرّ حاولت انقاذه". وأضاف "كانت الدنيا لا تسع فرحتي، ابنتَاي يارا وهبة كانتا ستتخرجان من الجامعة، وخليل انهى البكالوريا اما محمد فنجح في الشهادة المتوسطة".
صفات صعب وجودها
بصوت غير مسموع طغى عليه بكاء الفراق على رفيقة عمرها استعادت هبه مشهد دخول الهر أول مرة الى المنزل "كان لدى عمي هرّان، فأعطانا Moustache الذي اهتمت به يارا وبدأت تعامله كإبنها، وكانت تقول للجميع هذا ابني، تطعمه وتشربه. شقيقتي تعامل الجميع بحنان... حتى ولو انزعجت من انسان لم تكن لتخبره بالامر، لم تفتعل يوماً مشكلاً، كانت هادئة الى درجة كبيرة، تمضي وقتها في المطالعة ويوم وفاتها كانت تنوي شراء فستان لحفل تخرّجها من دون ان تكفّ عن التفكير في التخطيط لمستقبلها".
الصفات التي عدّدتها هبة عن شقيقتها كرّرها الوالد المفجوع بصوت مخنوق مرات عدة وقال "هي الملاك الذي رحل عن الأرض، رحلت الحنونة الهادئة والمجتهدة، التي كانت تهوى القراءة لا سيما كتب الفلسفة، وكانت تناقشني بالفلسفة المادية والروحية، لم يعد يوجد مثلها في ابناء هذا الجيل يقرأ يومياً، كان تفكيرها أكبر من عمرها وطموحها لا حدود له، وحبّها للحياة كبيرًا، أما ضحكتها فلم تكن تفارق وجهها. كانت الشمس التي تشرق في حياتي وقد غابت قبل أوانها".
كلمات لن تنسى
اشترى كوثراني مكتباً لابنته لكنها غادرت قبل ان تفتتحه، وتبدأ عملها في معالجة الطلاب الذين يعانون من مشاكل علمية، وتحقيق حلمها بالدخول الى النقابة "لم أفرح بحبيبتي التي لا تناديني سوى حبيبي سواء بتخرّجها أو ببدء عملها، لا أصدق أني لن أراها بعد اليوم". آخر كلمات يارا لوالدها كانت دعوته الى الانتباه على صحته "يومها دخلتُ الى المنزل عائداً من عيادة الطبيب فأبلغتها ان فحوصاتي الطبية جيّدة، ففرحت وطلبت مني الاهتمام بنفسي"، أما آخر كلماتها لشقيقتها بحسب ما قالته هبة لـ"النهار" و التي صادف حفل تخرجها من الجامعة قبل يوم من تخرج يارا: " كنت في غرفتي ارتدي فستان الحفل قالت لي: تبدين جميلة جداً ومن بعدها لم أتحدث معها".
قد يكون سبب موتنا اقرب الأشياء إلينا وأكثرها تعلقاً به، ومع ذلك لا يخطر ببالنا أن القدر يخبئ لنا الموت خلفه، وهذا ما حصل مع يارا التي بدلاً من ارتداء الفستان الذي كانت تنوي شراءه لحضور حفل تخرجها، لفّت بكفن لتكون "نجمة" حفل وداعها التي لم تحضّر له ولا لدعوة من حضروه الذين تفاجأوا بخبر وفاتها والسبب الكامن وراءه وكيف ان محاولتها لإنقاذ روح هرّها أفقدها روحها!
0 comments:
إرسال تعليق