اضغط على غلاف المجلة لقراءتها
كتب صبري يوسف ــ ستوكهولم
كتب صبري يوسف ــ ستوكهولم
صدر العدد الثّالث من مجلّة السَّلام الدَّوليّة، بعد عام كامل من الجُّهود المتواصلة بإستلام مئات الفعاليات واللَّوحات، ويتميّز هذا العدد بالكثير من الملفّات الغنيّة بالمواد والمواضيع، والكثير من القصائد الشِّعريّة، والقصص القصيرة، والمقالات والحوارات العميقة حول السَّلام العالمي، والدِّراسات النَّقديّة والتَّحليليّة والكثير من المشاركات في الفنِّ التَّشكيلي، وقد وصل عدد المواد الإبداعيّة المنشورة 274 مادّة، على مساحة 1100 صفحة من الحجم الكبير! .. وهناك من شارك بأكثر من مشاركة في الأجناس الأدبيّة والفنيّة، ننشر فيما يلي ما جاء في مقدّمة المجلّة:
كلمة المحرّر
نحن البشر مجرّد رحلة عابرة على وجهِ الزّمن
نهضتُ باكراً كغير عادتي صبيحة هذا اليوم ( 1. 8. 2015 )!
تساؤلات لا حصر لها تراودني، أسئلة لا أجد وقتاً ولا مجالاً للإجابة عنها، أغلب الأسئلة تتمحور حول الزّمن، العمر، الحياة، وتدور أيضاً حول كلّ هذا التَّدنّي المخيف والمرعب في سلِّمِ القيمِ والأخلاق في الكثير من بقاعِ الدُّنيا!
نحنُ البشر مجرّد رحلة عابرة على وجه الزّمن، رحلة قصيرة جدَّاً، أقصر ممّا يتصوَّره الإنسان، رحلة قصيرة كأنّها رمشةُ عينٍ، طالما هي محصورة ضمن زمن، ضمن وقت محدّد حتَّى ولو عشنا قرناً أو قروناً، بالنّتيجة نحن محكومون بحياةٍ عابرة، عبور النّسيم في صباحٍ باكر!
ما يقلقني جدَّاً أو بالأحرى لا يقلقني أيّ شيء على وجه الدُّنيا، بما فيه القلق نفسه، ولا أي نوع من أنواع القلق بما فيه القلق المبدع! لكن مع كلِّ هذا ما يقلقني، بل ما يغيظني هو أنّني أرى أنَّ الإنسانَ يزدادُ إعوجاجاً وقبحاً وسفالةً ووقاحةً وإنحطاطاً وبُعْداً عن الأهدافِ السّامية والنَّبيلة والخيّرة، ويركّز جلّ تفكيره على الغشِّ والخداع والنّصب والإحتيال والحروب والقتل والدّمار والهلاك، كأنّه سيعيش ملايين السّنين أو سيخلّد على وجه الدُّنيا إلى الأبد، وقد نسى أنّه مجرّد كتلة تدبُّ على الأرض كأيّة كتلة سقيمة وعقيمة، عندما يكون بعيداً عن فعل الخير والمحبّة والسَّلام، ولابدَّ كي يعبِّرَ عن إنسانيّته أن يعملَ جاهداً، أن يعيشَ كإنسان سامي ونبيل وخيِّر يليق به كإنسان، وإلّا أعتبره مجرّد حالة بوهيميّة عقيمة وتافهة إلى أبعد درجاتِ التّفاهة، ولا يختلف بنظري عن أيّ وحش مفترس أو حشرة ضارّة تدبُ على الأرض، بل أرى أنَّ بعض الحشرات الضَّارّة أكثر نفعاً منه، حيث تبيّن عبر نتائج العلوم الطبّيّة أنَّ سمومّ بعض الحشرات ممكن استخدامها كدواء لمعالجة بعض الأمراض، وهكذا حتَّى سموم بعض الحشرات القاتلة ممكن أن يستفيد منها البشر، بينما البشر: الإنسان، هذا الإنسان السّامي، يجنح الكثير من جنسه نحوَ ممارسة الخراب والدَّمار والهلاك، ناسياً أنّ كلَّ مستقبله في هذا الزّمن، العمر، الحياة: هو في نهاية المطاف عبارة عن متر إلى مترين من الأرض ضمن حفرة صغيرة مع قليلٍ من الخشب!
فأينّ المفرُّ أيُّها العنجهي الآثم، الجَّانح نحو الشُّرور والفجور والقتل والدَّمار والحروب، من هذين المترين والقليل القليل من الخشب في مستقبل الأيام؟! أينّ المفرّ من كومة الخشب الّتي تتربّصكَ ضمن هذه الحفرة الصَّغيرة كأنّك خرقة تالفة؟! لا مفرَّ إلّا بالعمل الصَّالح والخيِّر وانهاج منهج السَّلام مع بني البشر، كي تفوزَ بالأرضِ والسَّماء!
من هذا المنظور ومن ألفِ منظورٍ آخر، أرى أنّه من الضُّروري وبأقصى سرعة ممكنة أن تتضامن قوى السَّلام العالمي وقوى الخير وكلّ القوى والمؤسّسات والمنظَّمات الدَّوليّة في العالم وبالتّضامن مع الدُّول الَّتي لها باع كبير في تحقيق هذه التّطلُّعات الإنسانيّة الخلّاقة، أن تدعو إلى بناء وتأسيس مؤسَّسات عالميّة جديدة وتعميمها في دساتير الكون عبر كلّ دول العالم قاطبةً، بحيث أن تصبح الكرة الأرضيّة بمثابة دولة واحدة كونيّة عبر دول العالم ويسودها هذه القوانين الإنسانيّة والسَّلاميّة الوئاميّة الخلَّاقة، وتسعى إلى تحقيق سعادة البشر كلَّ البشر وتسعى إلى تحقيق رفاهيّة البشر، وطيّ صفحة الحروب والصّراعات والقتل والدّمار وإغلاق معامل السِّلاح والتَّركيز على كلِّ ما هو خيِّر للبشر والبشريّة جمعاء على مدى الأزمان، بعيداً عن لغة التَّعصُّبات الدِّينيّة والمذهبيّة والقوميّة والإقليميّة والقارِّيّة، بل يجب أن يكون جلّ اِهتمامنا على الإنسان كإنسان، بغضِّ النَّظر عن إنتمائه الدِّيني والطَّائفي والمذهبي والعرقي والقومي، لأنَّ الإنسان هو إنسان قبل أن يكون من هذا الفصيل أو ذاك!
وضمن هذه المعادلة سيحقِّقُ المجتمع البشري الفرح والحبّ والسَّلام ويكون في طريقه إلى تحقيق سعادة البشر كلّ البشر، ويقضي رويداً رويداً على الحروب بأقلِّ الخسارات، وإلَّا سيسير المجتمع البشري إلى هاويات الجَّحيم عاماً بعد عام وقرناً بعد قرن، وكأنّ البشريّة خالية من المفكّرين والمبدعين والعباقرة والفلاسفة والسَّاسة المتنوِّرين، لهذا لا بدَّ أن نضعَ عبر الأفكار الإنسانيّة الخلَّاقة، حدّاً لكلِّ ما نراه من إنحطاطٍ فكري ونسعى إلى ترسيخ تحقيق قيم الخير والمحبّة والعدالة والسَّلام وتعضيد إنسانيّة الإنسان!
إنَّ سبب دمار وخراب الكثير من الدُّول والكثير من البشر هو بسبِّب تفشِّي الكثير من الأفكار العقيمة والسَّقيمة، والّتي تقود الإنسان إلى الحروب والصِّراعات وإلى الانحلال في قيم الأخلاق وبالتَّالي يتحوّل الإنسان إلى كائن مفترس، أكثر افتراساً من الوحوش الضَّارية، لهذا يتوجّب تطهير الإنسان من الأفكار المدمّرة وبناء إنسان مسالم ضمن المناحي الَّتي أشرتُ إليها في سياق تطلُّعاتي كي يعيش الإنسان في سلام مع بني جنسه ومع الكائنات كلّ الكائنات، ويكون جاهزاً لإسقبال هذين المترين من الأرض ضمن حفرة صغيرة وقليل من الخشب، بكلِّ رضى وقناعة وراحة ضمير!
ذلكَ هو السُّؤال، لبُّ السُّؤال، وفي رجاحة العقل الإنساني الخلّاق يكمن الجّواب، ومن خلال رؤية الإنسان الخلَّاقة وتطبيقها على أرض الواقع، نستطيع أن نحقِّق أسمى أهداف العمر الّذي نعيشه في الحياة، تاركين خلفنا بعد عمرٍ طويل أو قصير أسمى ما يمكن الافتخار به على مدى الأجيال!
*****
تضمّن هذا العدد الكثير الكثير من المواد، فقد شارك في باب الشَّعر 108 شاعراً وشاعرة، بعضهم شارك بأكثر من مشاركة وبعضهم الآخر لديه أكثر من قصيدة، وفي باب القصّة شارك 19 قاصَّاً وقاصَّة، وفي باب المقال ورد للمجلّة 16 مقالاً، وأمَّا في باب الدِّراسات النَّقديّة والتَّحليليّة، فقد وردني أربعة ملفّات بعضها بمثابة كتاب، تحوي تحليلات عميقة للغاية أثْرَت هذا الجّانب الهام، وفي باب: حوار حول السَّلام العالمي، شارك فيه 9 مشاركات من قبل بعض الكتَّاب والشُّعراء والمفكِّرين والفنَّانين من عدّة دول من العالم، وفي باب التّشكيل شارك 74 فنّان وفنَّانة من العديد من دول العالم.
تميّز هذا العدد بوجود ملفَّات عميقة لبعض المشاركين والمشاركات، فقد شارك الشَّاعر القس جوزيف إيليّا في نصّ مشترك بعنوان: الحُبُّ والسّلام: القصيدة المشتركة، شارك في الملف 22 شاعراً من عدّة دول، كما أعدّت الأديبة والمترجمة د. أسماء غريب ملفّاً غنيَّاً حيث أعدّت دراسة موسّعة عن أدب وفن الأديب التَّشكيلي صبري بوسف بعنوان: إنسانُ السَّلام: مَنْ هُوَ وكيفَ يَتكوّن؟ تجربة صبري يوسف الإبداعيّة أنموذجاً، وسيكون مدخلاً رحباً لديوان السَّلام أعمق من البحار الّذي ترجمته إلى الإيطاليّة كما سيتمُّ ترجمة هذه الدِّراسة إلى الإيطاليّة أيضاً لنشرها كمدخل إلى الدِّيوان. وتمَّ إعداد ملف عن تكريم الفنَّان عمر حمدي، مالفا بإشراف كل من صبري يوسف وغريب ملا زلال، حيث شارك 40 مشاركاً ومشاركة، قدَّموا شهاداتهم ووجهات نظرهم ورؤاهم حول تجربة الفنّان المبدع عمري حمدي والملف هو عبارة عن كتاب ضمن دفّتي المجلّة، وسيصدر كتاباً الكترونيّاً مستقلاً، وورقيَّاً لاحقاً!
تمَّ منح أربع شهادات تقديرية لكلٍّ من:
القس الشّاعر جوزيف إيليّا، الفنَّان التَّشكيلي عمر حمدي "مالفا"، الأديبة المترجمة د. أسماء غريب، وقبل أيام تمَّ منح الفنَّانة المبدعة السَّيّدة فيروز شهادة تقدير، فهي رسولة السَّلام إلى أقصى أقاصي النّجموم، وتمَّ نشر ديوان: فيروز صديقة براري الرُّوح، المُهدى إلى السَّيدة فيروز وهو الجّزء الثَّامن من أنشودة الحياة الَّتي يشتغل عليها الشَّاعر صبري يوسف، وسيتمُّ إعداد ملف تكريم خاص بفيروز في العدد القادم 2016 بفتح المجال لتقديم شهادات في تجربة فيروز الغنائيّة الرّاقية.
خَطَت المجلّة في هذا العدد نحو الانفتاح على اللُّغات غير العربيّة، تأكيداً من إدارة المجلّة على توسيع فضاءات المجلّة نحو رحاب العالميّة، لترسيخ دعائم التَّواصل الحضاري الحقيقي مع الآخر عبر الإبداع الخلَّاق، أينما كان هذا الآخر، متجاوزة الحدود والجُّغرافية طالما هذه الشَّبكة قادرة على اختراق المسافات بلمح البصر، وقد وردني مشاركات بعشرة لغات، الإنكليزيّة، الفرنسيّة، الألمانيّة، الإيطاليّة، الإسبانيَة، السُّويديَة، البولونيَة، الكرديّة، السّريانيّة والفارسيّة، إضافة إلى اللُّغة العربيّة، وقد تمَّ ترجمة كلّ اللّغات إلى العربيّة كي يتمكن قرّاء العربيّة من قراءة المواد المترجمة ترسخياً لثقافة السَّلام والوئام بين البشر عبر أبجديات الإبداع في أعرق اللّغات.
ستوكهولم: 1. 8. 2015، مــسـودة أولـى
19. 12. 2015 صياغة نهائيّة!
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
0 comments:
إرسال تعليق