صدرت ترجمة رواية فوهة في الفضاء، في مركز دراسات جامعة تكساس، في أوستن. ترجمها وليم هيجنز، وقدم لها الكاتب روجر ألن، مقدمة ضافية، تكلم في البداية عن تاريخ العراق، واهتمام الكتاب بالرواية بدءً من ذنون أيوب، غائم طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، ثم عرج على فوهة في الفضاء ولماذا هي جليلة وذات مغزىً، ثم قال ما يميز هذه الرواية كونها تعتمد بشكل كبير على الحوار بدلاً من الوصف الطويل، لكن هذا لا يعني خلوها من الوصف، بل يقل دوراً عن الحوار المهيمن، في إبداء مختلف وجهات النظر، وبخاصة في بعض الأحداث، حيث يرق ويصفو، ليصبح تلقائياً طبيعياً، وفي بعض الأحيان ثاقباً وفطينا، وبخاصة بين المحبيْن، بطلا الرواية الرئيسين، حينما يلتقيان في بغداد، الأمر الذي جعل المؤلف يوحي بأن الوضع رغماً عن الحرب، القصف، الموت فإن أبطاله مازالوا يتكلمون حول شؤون الحياة العادية: جامعة، زواج، جميع موضوعات المحادثة بين العوائل والأصدقاء، ربما يكون هذا الاحساس نوع من استمرارية البقاء على قيد الحياة وسط الموت المخيم على العراق.
رواية محمود سعيد تجهز القارئ من خلال رؤية معاصرة وما يحتاجه من فطنة ليدرك طبيعة الحياة اليومية في عراق مازال يصارع في حياته اليومية المعاصرة من أجل أن يبقى حياً، ومن أن يكون طبيعياً، بينما يستوحي أبطال الرواية كل المثل التي تعينهم على إنجاز مستقبل أحسن. مثل هذه الرواية لن تنحدر مطلقاً مادامت ترسل رنيناً إلى قارئ يهتم بمستقبل الشرق الأوسط. إنها حكاية رويت بشكل جيد محكم وترجمت بشكل جيد.
تقع أحداث رواية فوهة في الفضاء في البصرة، العراق، خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 1988)، وتتبع حياة أنور وأصدقائه، المتخرجون حديثاً في جامعة البصرة، أنها محاولة للحفاظ على شعور من الحياة الطبيعية خلال القصف اليومي المتكررمن قبل إيران. وحسب القانون يلتحق أنوروأصدقاءه بالجيش العراقي ثم يختفي ليصبح في عداد المفقودين، ومن هنا يبدأ كفاح أسرته للتعامل مع حالة عدم اليقين بشأن مصيره. تقع أمه في حالة من الاكتئاب وتعزل نفسها في منزل الأسرة، في حين يترك والده عمله كقاضٍ ويحول اهتمامه إلى الحج أسبوعياً إلى بغداد للحصول على معلومات عن ابنه من منظمة الأمم المتحدة، ليلتقي هناك زهراء، "أرملة أربعينية حسناء" ويتورط عاطفيا معها.
فوهة في الفضاء، تصور الحياة بمسخة ساخرة، تظهر حكمة البشر في هذه المدينة العريقة التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ، ومحاولتهم الاحتفاظ بإنسانيتهم خلال حرب تقضي على البشر ووجوده، لكن إنسانية محمود سعيد تنجح ببراعة في تقديم مشاهد وأصوات من العراق يرنون نحو الحياة، سواء في مخبأ في الخطوط الأمامية للحرب العراقية الإيرانية أو في غرفة عرافة في بغداد. هي رواية حياة عادية تمتعنا بأخبار الحب والحرب، والحياة، والخداع، والموت.
0 comments:
إرسال تعليق