صدرت رواية "العنقاء" للكاتبة الفلسطينية مروى فتحي جرار بداية هذا العام 2019، عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، وتقع الرّوايّة في 332 صفحة من القطع المتوسط.
استخدمت الكاتبة أسطورة العنقاء رمز لبطلة الرواية " لوليانة" التي تلقي بنفسها للموت مرات ومرات، وعندما تحيا من الرماد يعلق بروحها ما دنّس الرماد من أوحال السقوط، تعود للحياة وفي روحها شروخات لا تلتأم بل تزداد تصدعاً بكل جديد.
وجع مخاض العنقاء لا ينتهي بالولادة، فالأنثى التي تاهت في تكوينها لم تولد بعد وإن ولدت آلآف المرات ، الأنثى احترقت وتطايرت كالدخان في فضاء شديد السواد ، تلك الأنثى التي تحاول الأسطورة أن تجلبها من الرماد لا تكون ولن تكون أبداً دخان روحها لن يتشكل من جديد وإن تشكل جسدها من الرماد .
ومع ذلك بقيت مهووسة بإشباع رغبتها في الحياة وبقيت تمارس لعبة العنقاء، كما يفعل تجار الاوطان.
قُتلت الروح في أول مقايضة على الجسد، بقي الجسد وماتت الروح.
لتعيش العنقاء رحلة شهوانية في دائرة مغلقة بلهاء، يمرون على جسدها كما يمر الاستيطان على الوطن.
العنقاء " لوليانة" ضحية منّ؟ هل هي ضحية الرجال الذين يحيلونها رمادا؟ أم ضحية نفسها لأنها لم تُسلم بموت روحها حين تزوجت زواجا سريا مشروطا سريعا، باعت جسدها بخمسة آلآف دينار والمسمى زواج مسيار، ومنذ ذلك الحين وهي تتاجر بجسد فقد روح الأنوثة يحاول تعويض الأنوثة التي تطايرت مع دخان روحها، بعشق عبثي تراه حقها لأنها انثى، وتصبح حطام إمرأة كما قال لها أحد رجالها: دكتور وليد، لتعترف في النهاية لا أحد لم يخذلها مثلها، أم هي ضحية وطن تراه للصفوة - كما قال لها د. وليد- بعد أن طردت من أرض فيها رائحة أصلها، هي ليست في وطنها هي تسكن أرض تصلب أبناءها ولا تعرف رائحة دماء الشهداء " صفحة 132"
لوليانة تعمل مديرة جمعية دولية ممولة أجنبيا، بمهام تبقى غالبا حبرا على ورق ، تؤدي دور " الكومبرس" الذّي يغنّي حسب عزف المموّل، تتقاضي راتبا يتراوح بين ثلاثة آلاف الى سبعة آلاف دولار، باعت مبادءها كما باعت شرفها، صنعت مع فئة من الشباب من قبلوا الانضمام لتلك الجمعيات ثقافة الاستهلاك والهبوط والتّطبيع، فلم يعد الغزة العسكري الأسلوب الأفضل للدولّ الاستعماريّة" القوة ليست أفضل الحلول".
طريقة الغزو الجديدة: المؤسسات بدل الجيوش، تمويل المشاريع بأهداف ظاهرها الرقي والتطور وهي تخدم الاحتلال حقيقة.
نشا من تلك الجمعيات والمؤسسات فئة من الشباب الضائع ومنهم لوليانة ،حيث تكون ردود أفعالهم قاتلة وعكسية ينتحر رمياً بالمباديء، أو يشنق نفسه بالحبل السري للسعادة، عنفوانه يرتطم بالجدار، وأحلامه تغدوا اوهاما، لأن التغيرات شعاراتها شاهقة ، لكن آثارها تعمّق الفجوة في الروح.
أما الحبيب الأول "لؤي" فينجوا بنفسه بالهجرة خارج الوطن بعد أن تحولت القضية الفلسطينية برمّتها الى ساعة عالميّة من الندوات والمؤتمرات والأبحاث داخل الهويّة اليهوديّة.
هجرته طعنة أصابت لوليانه كان يريد أن يفهمها أن نظريّة المؤامرة ليست مرضا نفسيا إنما هي وعي بالقضية وعناصرها التي تؤثر على حياة الناس بشكل مباشر، في وطن القاضي فيه الجلاد، ويعيش أزمة مصطلحات.
اعطاها ايقونة التمرد وادار ظهره، ولم يعد لحياتها طعم والأقدام تتراقص على الرؤوس. لؤي عشق فيها الأنثى الانموذج، وعندما انهارت انهار العشق.
لوليانة بين العنقاء وكيلوبترا ، تتصنع الأرستقراطية والبرجوازية لتمد نفسها بالثقة ، بعيداً عن ازقة المخيم. "صفحة 114"هذه اشارة لشعور مترس في ضمائر فئة من اهل المخيمات .
ترى أن المجتمع حزبي ذكوري متشقق متشابك معقد، استحالة أن ترى فيه بيئة صحيّة خالية من التلوّث أو الضوضاء، تتعجّب لنساء يرفضن رهن حياتهن مع عاشق يعرف قيمة انثاه، ويضع على عاتقه مهمة حمايتها واسعادها مقبل ضمانات أخرى صفحة" 116".
لوليانة "العنقاء " بطلة الرواية تلعب دور البطولة السلبية، تقيم علاقات تعويض مع كل رجل يصادفها، في العمل والقهوة وعلى الجوال - رغم انها متزوجة- لا تعوضها شيئا تنحدر في آخر الرواية بنهاية مقززة للقاريء، تنسف الكاتبة نظرية الاسطورة هي جميلة وقوية لكنها لا تتجاوز عقدة انوثتها التي خسرتها تموت وتحيا من جديد فاقدة لها في خسارة لا تعوّض.
تتداخل القصص وتتفرع في الرواية تتشابك خيوطها، لكنها لا تضيع باسلوب سردي لغته قوية يغلب علي ملامح الشخصيات في الرواية السوداوية والتشاؤم، اتاحت الكاتبة للشخصيات حرية الحركة والتعبير عن نفسها بنفسها، كل فقرة من الرواية تشكل صورة من البلاغة يُظهر تمكن الكاتبة من ادواتها.
إسراء عبوشي / فلسطين
0 comments:
إرسال تعليق