"ضوء آخر" روح شِعري قلِق، متأمِّل ومتألِّم


ـ د. محمّد مسلم جمعة.  

مجموعة "ضوء آخر" هي من جديد الشاعر شوقي مسلماني ـ الأسترالي اللبناني الأصل ـ  تتألّف من ثلاث "حركات"،  يستهلّها قائلاً: "تدعوه إلى العقل \ يدعوك إلى علم الكلام"، وشتّان ما بين طريق العقل وبين طريق علم الكلام، فالأوّل يتّسم بالحسم تثبيتاً لقاعدة وهي ثمرة المقارنات ما بين الأدلّة والوقوف على الأحكام وصولا إلى حجّة تستند إلى قواعد المنطق، بينما علم الكلام يأخذك إلى متاهات لغوية تستند إلى اشتقاقات وما هو مجازي وحمّال أوجه. 

وتبدأ رحلة البحث في الوجود المعيوش بدءاً من "قطرة دم" وولادة كائنات تمّ تشكّلها وفق تميّز وخصائص.. لتنتهي للقول أنّ "اليوم الأوّل \ يحمل في أحشائه اليوم الأخير" . 

المجموعة تنظر في ما تنظر بمسألة الموت وبكلّ التحديات الكبرى، إلى البحث بقوننة الصدفة، إنّها جهد فلسفي بروح شعري قلق، متأمّل ومتألّم جراء التنافس الوحشي المتمظهر بفعل الإستغلال الطبقي ونهب حقوق العمال وأشكال استغلال المرأة واستشراس الحرس القديم البالي والعنصريّة المتفلّتة بإطلاق وكلّ مذاهب الجشع و"القتل بالتجويع".. بأسلوب متميّز عمّا نقرأ.  

وفي ما يلي الحركة الأولى من المجموعة وهي كما يقول collage ـ "كولاج": أجنحة، نظرات وكلمات:   

"القبضةُ 

شديدةُ التملّك  

وقاسية. 

**


تدعوهُ إلى العقل 

يدعوكَ إلى عِلمِ الكلام. 

**


مِن مكانٍ وفي زمان 

بدأتْ قطرةُ الدمِّ تدخل في طَورٍ أوّل

وتماماً مثلما هذا يسبح وذاك يركض 

وهؤلاء يطيرون وأولئك يزحفون

وما بين الكلّ من تبادل في الأدوار 

لأنّ القسوة ولأنّ الرِقّة   

و"اليومُ الأوّل يحملُ في أحشائه اليومَ الأخير" 


من مكانٍ وفي زمانٍ 

أطلّ الموتُ أوّلاً 

وهذا من سبب تسلّطه بهمجيّة 


وكلّما ابتعد اقترب    

وكلّما اقترب ابتعد.  

**


حظُّه  

سيئ أم حسن 

إذا لا حظَّ له؟. 

**


الصدفةُ 

يبحثون لها عن قانون. 

**


الكلُّ  

خطأُ الكلّ. 

**


مِنْ أينَ تبدأ؟   

مِنْ حافّةٍ في الرأس؟   

مِنْ فوّهةِ بركانِ الرأس؟          

مِنْ مكْرِ الرأس؟   

مِنْ كراماتٍ للرأس؟    

مِنْ شظيّة؟..  

وفي الرأس مَن يستأصل بدأب 

زهرةَ الحياة..    

وفي الرأس ثعلب 

وفي الرأس أخرق 

وفي الرأس خواء وصداه 

وفي الرأس نصفُ الرأس 

ما خلفَ ظهرِ الرأس 

وديكُ الرأس..    

أم تبدأ ممّا في الرأس 

يختبئ ذعراً مِنْ كثيرِ ما يكون؟        

مِنْ بكاء أم ممّن 

يتردّد في أن يكون وجهاً؟       

أم ممّا في الرأس مِنْ أوبئة 

وكأس محطّم؟..      

أمامكَ كاتم صوت 

من يفتخر أنّه بلا صوت  

من لا ينتبه أنّه بلا صوت 

مَنْ يصلّي لكي لا يكون له صوت  

ومَنْ يقسم إذا صوتٌ  

سيعدمه عمرَه صلباً، حرقاً، شنقاً 

وفي الطريق عيون وقحة 

تبتسم، تلدغ، تتثاءب وتنام.  

**


العدَمُ يعملُ 

على أكثر مِن خطّة.     

**

 

إنّه في صندوق منذ 17 يوماً 

يا ابن آدم إفهمْ، في صندوق منذ 17 يوماً 

وقبل أن يغلَقوا عليه أعطوه رغيفاً وتنكةَ ماء   

أتعرف يا ابن آدم؟ سأذهبُ إلى المرقّط 

حاملاً زجاجةً وكأسين، سأشربُ نخبه 

سأصيح: "بوركَ فيك"    

ورأسِكَ الشريف سأرفعُ يدِي 

التي تحملُ الكأسَ 

وهي اليمنى بالتأكيد 

كأنّي أرفع المشعل 

وسأقولُ بانصياعٍ وفخر: "بورك فيك"  

سأصهل، سأسابقُ الريحَ، سأدخل عليه 

سأرفعُ يدي اليمنى وأؤدّي التحيّة  

وسأقولُ لذاتي: "استرحْ" وسأستريح 

و"انصرفْ" وسأنصرف  

سأحلمُ أنّي أقوم بالواجبات..  

هو في صندوق ليتعلّم الأخلاق  

"خذِ الخبزَ والماء، قالوا

رحلتك يا مسكين طويلة"    

ورأسِكَ الشريف 

هذا كلّ ما في الأمر. 

**


ليس من واجبي 

أن أجرِّعَ وطني كأسَ السمّ.  

**


الكاميكازي   

أهدافُه عسكريّة. 

**


المهمّة جديرة 

أن تسلِّطَ ضوءاً 

على ذهاب وإياب. 

**


عمّا تبحث فيما تقول  

عمّا تبحث فيما تقلق وتأرق  

فيما ترقد وتتأمّل  

عمّا تبحث 

فيما ترسم وفيما تكتب 

عمّا تبحث؟.   

**


عمّا تبحث 

عندما تدمع حزناً 

عمّا تبحث 

عندما تدمع  فرحاً  

عندما تشير إلى جهة 

أو عندما تكاد تختنق  

وعندما بأعلى صوتك 

تضحك 

عمّا تبحث؟.  

**


الحواسُّ  

هي أعلى وهي غيرها 

في المرّة الثانية.    

**


الطعنةُ  

هي ذاتها 

وفي الموضع ذاته 

أبعد غوراً.  

**


"العددُ الإجمالي 

هو 6 بليون إنسان  

ونحن في مطلع 2000 

وكثيراً قد يبلغ العدد عام 2050 

لا أقلّ من 10 بليون   

وبصمةُ كلِّ فرد تتّسع برّاً، بحراً، وجوّاً 

وبعدُ يقولون: "كونوا مثمرين. تكاثروا وانتشروا"!.   

**


النقصُ فادح 

في نسبةِ الأوكسجين.  

**


"وحده الذي يخجل 

هو الإنسانُ الإنسان". 

**


ماذا 

تفعل ها هنا 

يا سليلَ الفراغ؟.  

**


اقتربتَ 

مِنْ مسألتكَ 

مع الذين يرمونكَ  

في جبّ  

يتّهمونك 

أنّكَ رأس قليل 

أو موت جوّال ـ  

وأخطرُ العضّ هو 

أن تعضَّ يدَك ـ   

يرمونك 

أنّك ترمي عينيك 

لأسماك البورانا ـ 

أخطرُ العضِّ 

هو أن تعضَّ يدَك..    

وعندما تغمز للمخلب.  

**

 

الوقتُ 

"يويو" في يدِ الزمن 

نزولاً، صعوداً 

لئلاَ يشعر بالملل. 

**

 

وجوه ذاهلة 

الحرارةُ فوق الأربعين 

لا قطرةَ ماء، المشهدُ يتكرّر 

شِباكُ صيّادي السمك في البحارِ البعيدة 

لا تزال ترفع عظاماً بشريّة 

لا، لا نفعَ بعدُ 

من رفعِ تقارير للجهات الحكوميّة المعنيّة 

الحرائق في الوجوه 

من أثرِ خليطِ الملح والنفط 

من أثرِ نفاقِ العالم 

لا، لا تقلْ أنّي أسأتُ فهمك 

أنّك لا تكره 

أنّ القلوبَ تقسو مرّات 

أنّك تطلق الرصاص فوق رؤوسِهم 

لجماً للإكسودس ـ للرحيل الأعظم 

فقط قلْ أنّهم لا يشبهونك.  

**


إقتصادٌ صناعيّ 

إقتصادٌ زراعيّ، إقتصادٌ ريعيّ 

التنافسُ في الوحشيّة 

المالُ السياسي، الإستغلالُ الطبقي 

حقوقُ العمّال، الضمانُ الصحّي 

وحقوقُ المرأة التي على ظهرِها مَجرَّة.  

**


طبائعُ الإستبداد 

السقوطُ، الإستغلال 

السابقُ، اللاحق، قلةُ الرحمة 

من لا يروّعهم أن تقسو قلوبُهم 

عبيدُ النخاسةِ ، ثقوبُ القديمِ  

القِيمُ المتخثِّرة والوجوه التي تقطر سمّاً.  

**


المنطِقُ الأخضر 

المنطِقُ الأزرق، الأصفر  

الأحمر، الرمادي 

اليانع، المانع 

المفترِس، اللطيف 

الكثيف، المبحِر 

والمنطقُ الرمل. 

**


السؤال! 

هو إذا "المحرقة" 

تعني أنْ يحرقوا شعباً آخر؟. 

**


لا فراشة:  

لإنعاش الطقس.

**


التشظّي   

في الإتّجاهات كافّة. 

**


مجنون في الوسط 

مِنَ حيّز مأهول بالرمل. 

**


كلُّ جهة 

ليست أقلّ قسوة.  

**


"الوعيُ الزائف 

أحدُ العراقيل بوجهِ الغد". 

**


"العقلُ الغائب 

لا يرى الفكرةَ الحاضرة". 

**


في النفق! 

ليلٌ طويل ينام". 


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق