بقلم الأسير هيثم جابر
عندما يكون عالم السرد بحجم وطن وحجم إمرأة عظيمة، تكون الرساله دون شك نافذة تخترق القلوب والعقول وتترك أثرها الفعال في النفس الإنسانية، والقارئ بشكل أدق وهذا ما فعلته رواية الأدبية الشاعرة رانيا حاتم في روايتها "امرأۃ بين اربعة رجال " برغم قصر صفحات الرواية وبساطة لغتها السهلة السلسلة التي سادت عالم السود حين نسجته الأدبية رانيا حاتم " بُنيت الرواية من مئة صفحة تقريبا . واعتقد ان هذا النوع من البناء الروائي في عصرنا السريع يناسب عصر السرعة والاختصار فالقارئ اليوم المكتظ عالمة بمواقع التواصل الأجتماعي ومواقع الأدب والشعر على صفحات الانترنت والفضاء الأفتراضي يفضل اليوم ماقل ودل والأبتعاد عن الإطالة والروايات الطويلة. وهذا لا يعني أن نقولب أنفسنا في روايات قصيرة ترضي الجمهور أو القارئ، لكن لكل کاتب وجهة نظره في هذا المضمار، لكن رواية الأدبية الشاعرة رانيا حاتم مليئة بالرسائل ومليئة بالآهات التي واجهت شعبنا الذي هجر من أرضه ، بعد ان كان سيد في أرضه ووطنه يمتلك إرادته وأرضه، أرض التين والزيتون ، ارض البرتقال الحزين، ليتحول إلى شعب لاجئ لا حول له ولاقوة، لا يقوى على قوت يومه، كل ما يملكه هو خيمة وشتات.
تدور أحداث الرواية في زمن النكبات والنكسات شعبنا رغم عدم الإشارة للزمن بشكل واضح وصريح، وهذا من ابداعات الكاتبه التي استخدمت الحدث والايحاء لتحفيز ذكاء القارئ وملكاته الأدبية والقرائية. الرسالة التي أرادت ان توصلها وتقولها الأدبية الشاعرة رانيا حاتم هي أن المرأة الوطن .. المرأة الأنثى .. المرأة اللاجئة هي التي تدفع ثمن الحروب والنزاعات التى يصنعها البشر، والتي يخترعها المحتلون والغزاة، هي أول من تنهش الكلاب لحمها في الأزقه والأروقة المظلمة حين تنهار، وتسقط ، وتدور الدوائر على انوثتها . قد يكون العدو الأول لهذه المرأة هو المحتل الغازي ، وهو كذلك ، وقد يكون أيضا الأب أو الأخ أو حتى الحبيب والزوج التي أرادت ان يكون سندها وظلها في الأرض بعد أن تكالبت عليها كل نكبات الزمن وكلاب السكك و"جوهر" هي بطلة الروايه تكون ضحية والدها الذي تركها لمصيرها حين أراد ان يتخلص من عبئها الاقتصادي بحجة زواجها وسترها في بيت زوجها وتركها وهي طفله في منزل الشيخ مسعود الجاني الثاني الذي لم یصن الأمانه لا هو ولا زوجته وتركها للمجرم الثالث ربيع ابن الشيخ مسعود المفترض فيه ان يكون زوجها وسترها وظلها ، فكان الذئب الذي يفترسها ويذبحها . تكتمل أركان حين يفترسها المجرم الرابع رأفت" الذي كان سبب دمار وضياع شقيقتها ميسر فيخدعها ويتزوج منها وينجب منها طفل في الوقت الذي افترس" ميسر " وكان سبب هربوها واختفائها الغامض ، وضياع شرفها وعفتها، ويصر على التستر على جريمته الأولى حتى تظهر ميسر وتخبر شقيقتها جوهر بالحقيقة، لكن بعد فوات الأوان. جريمة أبطالها وجناتها أربعة رجال كل أسهم وساهم في ارتكاب هذه الجريمة بقصد أو بدون قصد لكن الجريمة تبقى جريمة ولا تبرير للجرائم التي نصنعها بأيدينا ونحاول احيانا اضفاء حسن النية عليها رغم ان الجريمة الكبرى هي جريمة المحتل والغزاة بالأساس.
المرأة أول من يدفع الثمن في الحروب والنزاعات ، أول ضحية للمحتلين والغزاة كانت الضحية الأولى في مخيمات اللجوء في فلسطين حين فقدت الأب والأخ والزوج واصبحت هي كل هؤلاء، وتعرضت للنهش والاعتداء من كلاب السكك ولصوص الغابات المرأة كانت الضحية الأولى في العراق من المحتل وأدواته وتجار اللحم والعرض و المرأة كانت أول الضحايا في سوريا عندما صارت سلعة تباع وتشترى من قبل اشتباه البشر ووحوش اللحوم البشرية .
وللاسف الشديد كان المخيم هو مسرح هذه الجرائم والمجازر المرتكبة ضد المرأة وهذا حالها في كل مكان، نستطيع أيضا ان نقرأ رواية الأدبية الشاعرة رانيا حاتم بشكل مختلف لان القراءات تتعدد من كاتب للآخر ومن أديب لآخر والأدباء بكل تأكيد ستختلف قراتهم عن القارئ العادي والتقليدي القراءة تكون بشكل أعمق تخوض في التفاصيل الدقيقة والعميقة تخترق اعماق بحر الرواية لنقرأ الرموز وما بين السطور وتحليل الرموز التي ارادت الكاتبة ان تقولها وتترك التحليل والوصول لعقول الأدباء والقراء التي يجب على الكاتب احترام ذكائهم كما فعلت الأدبية الشاعرة رانيا حاتم ، فلم يكن جوهر مجرد إمرأة دفعت ثمن لجوئها وثمن حرب فرضها المحتل عليها وعلى شعبها ، بل قد تكون هذه المرأة هي الوطن فلسطين التى رمزت له الكاتبة من خلال جوهر التي مزقها الاغراب وتخلى عن الأصحاب بعد ان تم تفريغها من أهلها ، لقد تمكن الوحوش من افتراس جوهر وشقيقتها "ميسر " بعد أن فقدت الأب والاخ والعم والأهم من هؤلاء الأم التي ماتت على سرير اللجوء وهي طفلة، جوهر كانت فلسطين تكالب عليها الأغراب وتخلى عنها الأصحاب من عرب ومن عجم فكان مصيرها ما آلت إليه اليوم، واصبحت جوهر شبه أنثى ، شبه إمرأة ، يتفضل عليها رأفت بالزواج بعد ان افترسها ربيع المفترض به ان يكون حاميها وظلها . لتعود مكسورة الجناح من جديد إلى أزقة المخيم ، أرادت الكاتبه ان تقول أن فلسطين كالمرأة الضعيفة التي لاسند لها . تتكالب عليها الوحوش من كل حدب وصوب حين تخلى عنها الاهل والاصحاب فلسطين هي جوهر، وجوهر هي فلسطين وبينهما شبه كبير، ولك انت كقارئ أو كاتب أو أديب حرية القراءة والتحليل وحرية الفهم التي أرادت الأدبية إيصالها لقرائها وجمهورها من خلال السرد البسيط والاسلوب الاختصاري والتكثيف في الفكرة والنص معا، من أجل ايصال رسالتها الأدبية الرائعة ثم تنهي الكاتبة وتعتمد على الأسلوب المفتوح في انهاء الرواية لتقول ان الجريمة لم تنتهي بعد ، ولا زالت مستقرة مادام هناك إمرأة مضطهدة وتنهش لحمها وحوش البشر وتريد ان تحولها الى سلعة رخيصة للافتراس فقط ، الجريمة لا زالت مستمرة ما دام هناك احتلال لفلسطين ولأي ارض عربية او غیر عربية، يوزع شعبها تحت نير وظلال المحتل والمعتدي والغاصب ستكون المرأة الوطن والأنثى هي الضحية الأولى والأخيرة، اذن يجب ان تكون النهاية مفتوحة لتدليل على أن الجريمة لازالت مستمرة وترتكب بحق الأرض والشعب والمرأة والطفل.
رواية الأدبية رانيا حاتم ، إمرأة بين أربعة رجال، تزخر بالمعاني الخفية والرسائل المستورة ، والضحايا والمجرمون يجوبون أروقه سطور الرواية وأزقة المخيم الذي كان شاهداً على هذه الجريمة التى افترست فيها " جوهر" وشقيقتها" ميسر"إضافة إلى انضمام الأطفال الى ركب الضحايا سواء كانوا أشقاء أو ابنها الصغير كما أن المخيم كان الشاهد ايضا على جريمة المحتل الغاصب الذي ارتكب ابشع جريمة في التاريخ ضد شعب أعزل اقتلع من ارضه ليصبح شعباً لاجئ اسمه الشعب الفلسطيني، رواية الأدبية رانيا حاتم تستحق القراءة وتستحق ان يتم تناولها بالبحث والتحليل وكشف ما بين السطور ومن الجدير ذكرة الى ان الكاتبة هي شاعرة صدر لها العديد من المجموعات الشعرية والابداعية وهنا أشدد الى أمر ان ما أتناوله من قراءات للأدباء والشعراء هو ما يتم السماح به ليخترق جدران الأسر من خلال زيارات الاهل وفي العادة يتم اعادة الكثير من الكتب احيانا لنفس الكاتب يسمحون بدخول مؤلف واعادة آخر المزيد من التوفيق للادبية رانيا حاتم ، وکل مبدع أتحفنا بإبداعاته ووضع بصمة على عقلنا الجمعي والمساهمة في تثبيت الرواية الفلسطينية وحمايتها من الزيف والاحتلال لان أخطر الاحتلالات هي احتلال العقول وسحق الخلية الوطنية والقومية
0 comments:
إرسال تعليق