حين تقرأ المجموعة القصصية التي صدرت من رحم أفكار الشاعرة والقاصة سحر حمزة والتي أطلقت عليها عنوان حكايات من زجاج لما تتميز به القاصة سحر حمزة من شاعرية وإحساس مرهف ينعكس في كتاباتها والتي صدرت من عمان/الأردن تجد أنها تمكنت الكاتبة من استخدام أدواتها ومرادفتها اللغوية في السرد القصصي الرائع بالاستعانة بما تملكه من تنوع في رسم الخطوط النثرية والشعرية من خلال مؤلفاتها السابقة، لتخرج على قرائها بمجموعتها القصصية الجديدة حكايات من زجاج التي وقعتها خلال معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2014 الذي أقيم بمركز إكسبو الشارقة ، لتلاحظ انها تعكس وجدان المرأة في كتابة النثر بكل شفافية وخصوصية تشير فيها للمرأة في كافة مراحل عمرها من خلال تحديات عدة تواجهها بحياتها، وتعبر عن مكنون النساء وما تشكله البيئة المحيطة بهن، فجاءت المجوعة القصصية وكأنها سيرة ذاتية للكاتبة، فمن خلال عناوين المجموعة القصصية يكتشف القارئ مدى تأثرها بالبيئة وعرضها الصور والمتناقضات في آن واحد، وبحرفية وإتقان تمكنت من اللعب على أوتار السلم الموسيقي بألفاظها السهلة وتنقلها بين العنوان والآخر بخفة وكأنها تسرد قصة كاملة تنم عن خبرة حياتية تضعها أمام قارئها ليفتش في أعماق روحها، وتكشف عن ملامحها الأنثوية بجراءة وبأسلوب شيق وممتع.
تقع مجموعة حكايات من زجاج في تسعة وأربعون صفحة من القطع المتوسط وتضم ثلاثة عشر قصة وقصيدة بدأت بها بعد الإهداء الذي قدمته لروح أبيها وهي تحمل له بين طيات مجموعتها عشق الفتاة لأبيها، حيث تقول والدي الذي قدر معنى الانثى واعتبر أنها قيمة مضافة لكل رجل، وان المرأة ارق من النسيم، وعرف دورها بحياة الرجل والمجتمع فتعامل معها برقة وتقدير واحترام.
واعتبر أن الكاتبة كانت موفقة في اختيارها لعناوين قصص مجموعتها القصيرة، حيث أنها تتحدث عن الأنثى ومشاعرها التى شبهتها بالنسيم وشفافيته التى تميل إلى الزجاج في كافة خصائصة ، فالأنثى يتحطم قلبها بالكلمة التي تؤذيها ، وتئن من اللفظ السيء الموجه لها، وتسعد وتفرح لإطراء من حولها لعمل قامت به وان كان بسيط، وتطرقت الكاتبة إلى قلب المرأة الذي لو كسر فمن الصعب مداواته أو تصليحه كالزجاج تماما، فضلا عن أول قصة في المجموعة بعنوان رجل شفاف كزجاج وكانت تقصد ب هابيها، وإذا جردنا القصة والمجموعة كلها من الذاتية لوجدنا الكاتبة تميل إلى عشق بيئتها وتدافع عنها وترسم خطوط آلامها من التخطيط للفتاة والخوف عليها من المجتمع المحيط بها.
انتقلت الكاتبة سحر حمزة في مجموعتها من غصن إلى أخر بحرفية وكان المجموعة رواية منفصلة متصلة للترويج لمفهوم المرأة وكيانها وان الأنثى بمكوناتها الخلقية المختلفة عن الرجل تستطيع أن تحول مجرى حياتها بإرادتها وبثقافتها حتى ولو كانت نشأتها في بيئة لا تعترف بالإبداع ولا بالفكر المتحرر بانضباط أخلاقي، فربما شكل البيت في وجدان الفتاة حب الاطلاع والتنوير من خلال قراءة الأدب العربي والعالمي ومدها بالصحف والمجلات التى تشكل فكرها، وبعد كل هذا يطلب المجتمع أن تنسى كل ما اطلعت عليه بكل بساطة ومحوه من ذاكرتها بحجج واهية تخضع في النهاية لتراث يجب أن يعاد صياغته والتفكير فيه، هذا ما جاء تقريبا في قصة أصداء التى تحدثت عن أهمية الكلمة على الإنسان ودورها في رسم مستقبله.
عبرت سحر حمزة عن عشقها لأوراق الليلك فخصصت في مجموعتها القصصية حكايات من زجاج أكثر من عنوان يحمل اسم الليلك، حيث تقول عن الليلك هى زهرة من أكثر الأزهار روعة، ذات شذى ربيعي دائم، ووصفتها بأنها صديقتها ورفيقتها منذ الصغر، فاستدعاء الكاتبة لنوع معين من الزهور يدل على خصوصية الطرح وايجابية التفكير، لان في هذه الحالة تقرر الكاتبة أن تنفرد بذكر ما يميزها في الكلمة وما يميزها من العشق ووضع صورة ذهنية لدى القارئ يستشف من خلال الكلمات الناعمة أن من سطر هذه الكلمات لديه حس مرهف وعطش للنسيم وأشعة الشمس أثناء إزاحتها ستارة السحب في الصباح الباكر.
عندما تذكر سحر حمزة المواقع الجغرافية وتهتم بأسماء المدن والطرق والحقول تشعر وكأنك أمام حالة تسرد نمط حياتي متجدد، فسبق وان اهتم الروائي المصري نجيب محفوظ بتفاصيل الحارة المصرية وأسماء الشوارع والأزقة والحواري، وكأنه يرسم خريطة واقعية لأحداث تمناها في عقل الكاتب ورؤيته الفكرية، نفس الحالة تبحث الكاتبة عن قفزات بأسماء ومواقع عاشت وتألقت فيها، فالرواية والقصة القصيرة عندما تركز على مكان إنما تؤصل لوجدان الكاتب بذاته وتعكس مدى اختزال الكاتبة لمواقف بين أروقه المكان، وذكر الأماكن في المؤلف يوحي بصدق المشاعر وسيطرت اللاوعي على الكاتبة أثناء تاريخ صورتها من خلال القصة القصيرة أو القصيدة أو حتى المقال.
أنهت الكاتبة سحر حمزة مجموعتها القصصية حكايات من زجاج بقصة عنوانها خيانة إشارة منها بما يسمى الكتابة الدائرية حيث بدأت مجموعتها بقصيدة عيناك كالزجاج وختمتها بالخيانة وكأنها تدق ناقوس الخطر وتعلنها صراحة بان المرأة كائن خاص جدا، بقدر عشقه وتضحيته من اجل من يحب، لا يغفر ولا يسامح من يخونه أو يجرحه أو يتجاهله ، تسطر لمفهوم مكونات المرأة حين تكون وديعة رقيقة مسالمة، يمتلكها من يحن عليها ويعطف عليها باحترام ويقدرها، وتتحول إلى مخلوق مفترس عند أول منعطف يشعرها بالخزي أو بالخيانة وعدم التقدير والإهتمام ، فهى على قدر حبها وعشقها لا ترضى إلا بالتميز والانفراد بمن تحب
0 comments:
إرسال تعليق